وهو من له مال أو كسب يقع موقعاً من كفايته، ولا يكفيه. {ذا متربة} ، أي: لصوق بالتراب لفقره. يقال: ترب إذا افتقر، ومعناه: التصق بالتراب وأما أترب فاستغنى، أي: صار ذا مال كالتراب في الكثرة كما قيل: أثرى. وعنه صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {ذا متربة} : «الذي مأواه المزابل» قال ابن عباس رضي الله عنهما: «هو المطروح على الطرق الذي لا بيت له» . وقال مجاهد: وهو الذي لا يقيه من التراب لباس ولا غيره. وقال قتادة: أنه ذو العيال. واحتج بهذه الآية على أنّ المسكين يملك شيئاً لأنه لو كان لا يملك شيئاً لكان تقييده بقوله تعالى: {ذا متربة} تكريراً. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة برفع الكاف وجرّ رقبة وكسر همزة إطعام وفتح العين وبعدها ألف ورفع الميم منوّنة، والباقون فك بنصب الكاف رقبة بالنصب أطعم بفتح الهمزة والعين والميم بغير تنوين، ولا ألف بين العين والميم.

فإن قيل: قوله تعالى: {فلا اقتحم العقبة} إلى آخره ذكر لا مرّة واحدة. قال الفرّاء والزجاج: والعرب لا تكاد تفرد لا مع الفعل الماضي حتى تعيد لا كقوله تعالى: {فلا صدّق ولا صلى} (القيامة: 31) .

أجيب: بأنه إنما أفردها لدلالة آخر الكلام على معناه فيجوز أن يكون قوله تعالى:

{ثم كان من الذين آمنوا} قائماً مقام التكرير فكأنه قال: {فلا اقتحم العقبة} ولا آمن. وقال الزمخشري: هي متكرّرة في المعنى: لأنّ معنى فلا اقتحم العقبة فلا فك رقبة ولا أطعم مسكيناً، ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة بذلك. قال أبو حيان: ولا يتيم له هذا إلا على قراءة فك فعلاً ماضياً. وعن مجاهد: أنّ قوله تعالى: {ثم كان من الذين آمنوا} يدل على أن: لا بمعنى لم ولا يلزم التكرير مع لم فإن كرّرت لا كقوله تعالى {فلا صدّق ولا صلى} فهو كقوله تعالى: {لم يسرفوا ولم يقتروا} (الفرقان: 67)

تنبيه: ثم كان معطوف على اقتحم وثم للترتيب، والمعنى: كان وقت الاقتحام من الذين آمنوا. وقال الزمخشري: جاء بثم لتراخي الإيمان وتباعده في الرتبة والفضيلة عن العتق والصدقة لا في الوقت، لأنّ الإيمان هو السابق المقدّم على غيره، ولا يثبت عمل صالح إلا به. {وتواصوا} ، أي: وصبروا وأوصى بعضهم بعضاً {بالصبر} ، أي: على الطاعة وعن المعصية والمحن التي يبتلى بها المؤمن.

{وتواصوا بالمرحمة} ، أي: بالرحمة على عباده بأن يكونوا متراحمين متعاطفين، أي: بما يؤدّي إلى رحمة الله تعالى.

{أولئك} ، أي: الموصوفون بهذه الصفات {أصحاب الميمنة} ، أي: الجانب الذي فيه اليمن والبركة والنجاة من كل هلكة. وقال محمد بن كعب:، أي: الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم. وقال يحيى بن سلام: لأنهم ميامين على أنفسهم. وقال ابن زيد: لأنهم أخذوا من شق آدم الأيمن. وقال ميمون بن مهران: لأنّ منزلتهم عن اليمين. وقال الزمخشري: الميمنة اليمين أو اليمن.

{والذين كفروا} ، أي: ستروا ما تظهر لهم مرائي بصائرهم من العلم {بآياتنا} ، أي: على ما لها من العظمة بالإضافة إلينا، والظهور الذي لا يمكن خفاؤه من القرآن وغيره {هم أصحاب المشأمة} ، أي: الخصلة المكسبة للشؤم والحرمان قال محمد بن كعب:، أي: الذين يؤتون كتبهم بشمائلهم. وقال يحيى بن سلام: لأنهم مشائيم على أنفسهم. وقال ابن زيد: لأنهم أخذوا من شق آدم الأيسر عليه السلام. وقال ميمون: لأنّ منزلتهم عن اليسار. وقال الزمخشري: المشأمة الشمال أو الشؤم.

قال القرطبي: ويجمع هذه الأقوال أصحاب الميمنة هم أصحاب الجنة وأصحاب المشأمة هم أصحاب النار.

{عليهم} ، أي: خاصة {نار مؤصدة} ، أي: مطبقة وقرأ أبو عمرو وحفص وحمزة بالهمزة، والباقون بغير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015