الآية قال المشركون: إنّ إبلنا لتسمن على الضريع، وكذبوا في ذلك فإنّ الإبل إنما ترعاه ما دام رطباً ويسمى شبرقاً فإذا يبس لا يأكله شيء. قال أبو ذؤيب يصف حماراً:

*رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى ... وصار ضريعاً بان عنه النحائص*

والنحوص: من الأتن التي لا لبن لها.

ولما قالوا ذلك أنزل الله تعالى تكذيباً لهم: {لا يسمن ولا يغني} ، أي: يكفي كفاية مبتدأة {من جوع} فلا يحفظ الصحة ولا يمنع الهزال فنفى السمن والشبع عنه، وعلى تقدير أن يصدقوا فيكون المعنى: أنّ طعامكم من ضريع ليس من جنس ضريعكم إنما هو ضريع غير مسمن ولا مغن من جوع. فإن قيل: كيف قيل: {ليس لهم طعام إلا من ضريع} وفي الحاقة: {ولا طعام إلا من غسلين} (الحاقة: 36)

أجيب: بأنّ العذاب ألوان والمعذبون طبقات، فمنهم أكلة الزقوم، ومنهم أكلة الغسلين، ومنهم أكلة الضريع لكل باب منهم جزء مقسوم.

ولما ذكر تعالى وعيد الكفار أتبعه بشرح أحوال المؤمنين فقال تعالى: {وجوه يومئذٍ} ، أي: يوم تغشى الناس ووصفها بصفات الأولى قوله تعالى: {ناعمة} ، أي: ذات بهجة وحسن كقوله تعالى: {تعرف في وجوههم نضرة النعيم} (المطففين: 24)

أو متنعمة. قال مقاتل: في نعمة وكرامة. الصفة الثانية: قوله تعالى:

{لسعيها} ، أي: في الدنيا بالأعمال الصالحة {راضيةٌ} ، أي: في الآخرة بثواب سعيها حين رأت ما أدّاهم إليه من الكرامة الصفة الثالثة قوله تعالى:

{في جنة} ثم توصف الجنة بصفات الأولى قوله تعالى: {عالية} ، أي: علية المحل والقدر، والصفة الثانية: قوله تعالى:

{لا يسمع فيها لاغية} قرأ بالتاء الفوقية نافع مضمومة لاغية بالرفع، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء التحتية مضمومة لاغية بالرفع لقيامها مقام الفاعل، والباقون بالتاء الفوقية مفتوحة لاغية بالنصب فيجوز أن تكون التاء للخطاب، أي: لا تسمع أنت وأن تكون للتأنيث، أي: لا تسمع الوجوه واللغو. وقال ابن عباس: الكذب والبهتان والكفر بالله تعالى. وقال قتادة: لا با طل ولا إثم. وقال الحسن: هو الشتم. وقال الفراء: الحلف الكاذب، والأولى كما قيل: لا يسمع في كلامهم كلمة ذات لغو، وإنما يتكلمون بالحكمة وحمد الله تعالى على ما رزقهم من النعيم الدائم وهذا أحسن الأقوال قاله القفال. وقال الكلبي: لا يسمع في الجنة حالف بيمين لا برّة ولا فاجرة.

الصفة الثالثة: قوله تعالى: {فيها} ، أي: الجنة {عين جارية} قال الزمخشري: يريد عيوناً في غاية الكثرة كقوله تعالى: {علمت نفس} (التكوير: 14)

وقال القفال: فيها عين شراب جارية على وجه الأرض في غير أخدود، وتجري لهم كما أرادوا.

الصفة الرابعة: قوله تعالى: {فيها سرر مرفوعة} ، أي: عالية في الهواء. قال ابن عباس: ألواحها من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت مرتفعة في السماء ما لم يجيء أهلها، فإذا أرادوا أن يجلسوا عليها تواضعت ثم ترتفع على مواضعها.

الصفة الخامسة قوله تعالى: {وأكواب موضوعة} جمع كوب، وهي الكيزان التي لا عرى لها. قال قتادة: فهي دون الإبريق.

وفي قوله تعالى: {موضوعة} وجوه أحدها: أنها معدّة لأهلها كالرجل يلتمس من الرجل شيئاً فيقول هو ههنا موضوع بمعنى معدّ. ثانيها: موضوعة على حافات العين الجارية كلما أرادوا الشرب وجدوها مملوءة من الشراب. ثالثها: موضوعة بين أيديهم لاستحسانهم إياها بسبب كونها من ذهب أو فضة أو من جواهر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015