لليسرى} عطف على سنقرؤك، فهو داخل في حيز التنفيس، وما بينهما من الجملة اعتراض. قال الضحاك: واليسرى هي الشريعة اليسرى وهي الحنيفية السهلة.v

وقال ابن مسعود: اليسرى الجنة، أي: نيسرك إلى العمل المؤدّي إلى الجنة، وقيل: اليسرى الطريقة اليسرى، وهي أعمال الخير والأمر في قوله تعالى:

{فذكر} للنبيّ صلى الله عليه وسلم أي: فذكر بالقرآن {إن نفعت الذكرى} أي: الموعظة، وإن شرطية، وفيه استبعاد لتذكرهم. ومنه قول القائل:

*لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن تنادي*

ولأنه صلى الله عليه وسلم قد استفرغ مجهوده في تذكيرهم، وما كانوا يزيدون على زيادة الذكرى إلا عتوّاً وطغياناً، وكان صلى الله عليه وسلم يتلظى حسرة وتلهفاً ويزداد جهداً في تذكيرهم، وحرصاً عليه فقيل: إن نفعت الذكرى وذلك بعد إلزام الحجة بتكرير التذكير. وقيل: إن بمعنى إذ كقوله تعالى: {وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} (آل عمران: 139)

وقيل: بعده شيء محذوف تقديره إن نفعت الذكرى وإن لم تنفع. كقوله تعالى: {سرابيل تقيكم الحرّ} (النحل: 81)

أي: البرد وقاله الفراء والنحاس. وقيل: إن بمعنى ما لا بمعنى الشرط لأنّ الذكرى باقية بكل حال.

ثم بين تعالى من تنفعه الذكرى بقوله سبحانه.

{سيذكر} أي: بوعد لا خلف فيه {من يخشى} أي: يخاف الله تعالى فهي كآية {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} (ق: 45)

وإن كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يجب عليه تذكيرهم نفعتهم الذكرى أم لم تنفعهم. وقال ابن عباس: نزلت في ابن أمّ مكتوم. وقيل: في عثمان بن عفان. قال الماوردي: وقد تذكر من يرجوه إلا أن تذكر الخاشع أبلغ فلذلك علقها بالخشية دون الرجاء. وقال القشيري: المعنى: عمم أنت بالتذكير والوعظ وإن كان الوعظ إنما ينفع من يخشى، ولكن يحصل لك ثواب الدعاء. فإن قيل: التذكير إنما يكون بشيء قد علم، وهؤلاء لم يزالوا كفاراً معاندين أجيب: بأنّ ذلك لظهوره وقوّة دليله، كأنه معلوم لكنه يزول بسبب التقليد والفساد.

تنبيه: السين في قوله تعالى: {سيذكر} يحتمل أن تكون بمعنى سوف، وسوف من الله تعالى واجب كقوله تعالى: {سنقرئك فلا تنسى} ويحتمل أن يكون المعنى: أنّ من خشي فإنه يتذكر وإن كان بعد حين بما يستعمله من التدبر والنظر.

ولما بين تعالى من ينتفع بالذكرى بين من لا ينتفع بها بقوله تعالى:

{ويتجنبها} أي: الذكرى أن يتركها جانباً لا يلتفت إليها {الأشقى} .

{الذي يصلى النار} وهو الكافر. فإن قيل: الأشقى يستدعي وجود شقي فكيف قال هذا القسم؟ أجيب: بأنّ لفظ الأشقى من غير مشاركة كقوله تعالى: {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرّاً وأحسن مقيلاً} (الفرقان: 24) ، وقوله تعالى: {وهو أهون عليه} (الروم: 27)

. قال الرازي: الفرق ثلاثة العارف والمتوقف والمعاند، فالسعيد هو العارف، والمتوقف له بعض الشقاوة، والأشقى هو المعاند. وقال الزمخشري: الأشقى هو الكافر؛ لأنه أشقى من الفاسق، أو الذي هو أشقى الكفرة؛ لتوغله في معاداة النبيّ صلى الله عليه وسلم وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة وعقبة بن ربيعة.

واختلف في قوله تعالى: {الكبرى} أي: العظمى على وجوه: أحدها: قال الحسن: هي نار جهنم، والصغرى نار الدنيا. ثانيها: أنّ في الآخرة نيراناً ودركات متفاضلة، فكما أنّ الكافر أشقى العصاة فكذلك يصلى أعظم النيران. ثالثها: أنّ النار الكبرى هي النار السفلى فهي نصيب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015