قال الحسن: فرض الله تعالى على أهل السموات طاعة جبريل عليه السلام كما فرض على أهل الأرض طاعة محمد صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس: «من طاعة جبريل عليه السلام الملائكة أنه لما أسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم قال جبريل عليه السلام لرضوان خازن الجنان: افتح له ففتح فدخلها فرأى ما فيها» . {أمين} أي: بليغ الأمانة على الوحي الذي يجيء به. وقيل: الرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم فالمعنى حينئذ: ذي قوة على تبليغ الوحي {مطاع} أي: يطيعه من أطاع الله تعالى.
{وما صاحبكم} أي: الذي طالت صحبته لكم، وأنتم تعلمون أنه في غاية الكمال حتى إنه ليس له وصف عندكم إلا الأمين، وهو محمد صلى الله عليه وسلم وهذا عطف على أنه إلى آخر المقسم عليه.
وأغرق في النفي فقال تعالى: {بمجنون} أي: كما زعمتم يتهم في قوله: {بل جاء بالحق وصدّق المرسلين} (الصافات: 37)
فما القرآن الذي يتلوه عليكم قول مجنون، ولا قول متوسط في العقل بل قول أعقل العقلاء وأكمل الكمل. { {
تنبيه: استدلّ بذلك بعضهم على فضل جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم حيث عدّ فضائل جبريل عليه السلام واقتصر على نفي الجنون عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو كما قال البيضاوي: ضعيف؛ إذ المقصود منه نفي قولهم إنما يعلمه بشر، وقولهم افترى على الله كذباً، وقولهم أم به جنة لا تعديد فضله والموازنة بينهما.
{ولقد رآه} أي: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام على صورته التي خلق عليها، وله ستمائة جناح. {بالأفق المبين} أي: البين، وهو الأفق الأعلى الذي عند سدرة المنتهى حيث لا يكون لبس أصلاً، ولا يكون للشيطان على ذلك المكان سبيل فعرفه حق المعرفة. وقال مجاهد وقتادة: بالأفق الأعلى من ناحية المشرق.
وعن ابن عباس «أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام: «إني أحب أن أراك على صورتك التي تكون فيها في السماء» قال: لن تقوى على ذلك، قال: «بلى» . قال: فأين تشاء أن أتخيل لك، قال: «بالأبطح» . قال: لا يسعني، قال: «فبمنى» . قال: لا تسعني. قال: «فبعرفات» . قال ذلك بالحري أن يسعني، فواعده فخرج النبيّ صلى الله عليه وسلم للوقت، فإذا هو بجبريل قد أقبل من جبل عرفات بخشخشة وكلكلة قد ملأ ما بين المشرق والمغرب، ورأسه في السماء ورجلاه في الأرض، فلما رآه النبيّ صلى الله عليه وسلم خرّ مغشياً عليه، قال: فتحوّل جبريل عن صورته فضمه إلى صدره، وقال: يا محمد لا تخف فكيف لو رأيت إسرافيل، ورأسه تحت العرش ورجلاه في التخوم السابعة، وإنّ العرش لعلى كاهله، وإنه ليتضاءل أحياناً من مخافة الله تعالى حتى يصير مثل الوصع ـ يعني: العصفور ـ حتى ما يحمل عرش ربك إلا عظمته. وقيل: إنّ محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه عز وجل بالأفق المبين، وهو قول ابن مسعود وقد مرّ ذلك في سورة النجم.
{وما} أي: وسمعه ورآه والحال أنه ما {هو} أي: محمد صلى الله عليه وسلم {على الغيب} أي: ما غاب من الوحي وخبر السماء، ورؤية جبريل وغير ذلك مما أخبر به. وقرأ {بنين} ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بالظاء المشالة من الظنة، وهي التهمة، أي: فليس بمتهم، والباقون بالضاد موافقة للمرسوم من الضن وهو البخل، أي: فليس ببخيل بالوحي فيزوي بعضه، أو يسأل تعليمه فلا يعلمه كما يكتم الكاهن ما عنده حتى يأخذ عليه حلواناً وهو في مصحف عبد الله بالظاء، وفي مصحف أبيّ بالضاد، وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ