إذا قربت ولادتها حفرت حفرة فتمخضت على رأس الحفرة، فإذا ولدت بنتاً رمت بها في الحفرة، وإذا ولدت ولداً حبسته. وكانوا يفعلون ذلك لخوف لحوق العار بهم من أجلهنّ، أو الخوف من الإملاق، كما قال تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق} (الأنعام: 151)
وكانوا يقولون: إنّ الملائكة بنات الله فألحقوا البنات به فهو أحق بهنّ، وكان صعصعة بن ناجية ممن منع الوأد وفيه افتخر الفرزدق في قوله:
*ومنا الذي منع الوائدات ... وأحيا الوئيد فلم توءد*
{سئلت بأيّ} أي: بسبب أيّ {ذنب} يا أيها الجاهلون {قتلت} أي: استحقت به عندكم القتل، وهي لم تباشر سوءاً لكونها لم تصل إلى حدّ التكليف.
فإن قيل: ما معنى سؤالها عن ذنبها الذي قتلت به، وهلا سئل الوائد عن موجب قتله لها؟ أجيب: بأن سؤالها وجوابها تبكيت لقاتلها نحو التبكيت في قوله تعالى لعيسى عليه السلام: {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمّي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق} (المائدة: 116)
. وروي أنّ قيس بن عاصم «جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني وأدت ثمان بنات كنّ لي في الجاهلية. فقال صلى الله عليه وسلم أعتق عن كل واحدة منهنّ رقبة. قال: يا رسول الله، إني صاحب إبل؟ فقال له صلى الله عليه وسلم أهد عن كل واحدة منهنّ بدنة إن شئت» . وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ المرأة التي تقتل ولدها تأتي يوم القيامة متعلقاً ولدها بيدها ملطخاً بدمائه فيقول: يا رب هذه أمّي وهذه قتلتني» .
{وإذا الصحف نشرت} أي: فتحت بعد أن كانت مطوية، والمراد صحف الأعمال التي كتبت الملائكة فيها أعمال العباد من خير وشر تطوى بالموت، وتنشر في القيامة، فيقف كل إنسان على صحيفته فيعلم ما فيها فيقول: {ما لهذا الكتاب لا يغادر صغير ولا كبيرة إلا أحصاها} (الكهف: 49)
. وروي عن عمر أنه كان إذا قرأها قال: إليك يساق الأمر يا ابن آدم. وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «يحشر الناس حفاة عراة» فقالت أمّ سلمة: كيف بالنساء؟ فقال: «شغل الناس يا أمّ سلمة» . قالت: وما يشغلهم، قال: «نشر الصحف فيها مثاقيل الذر، ومثاقيل الخردل» . وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بتخفيف الشين والباقون بتشديدها على تكرير النشر للمبالغة في تقريع العاصي وتبشير المطيع وقيل لتكرير ذلك من الإنسان. { {
{وإذا السماء} أي: هذا الجنس كله أفرده لأنه يعلم بالقدرة على بعضه القدرة على الباقي. {كشطت} أي: نزعت عن أماكنها كما ينزع الجلد عن الشاة والغطاء عن الشيء. قال القرطبي: يقال: كشطت البعير كشطاً نزعت جلده ولا يقال سلخت لأنّ العرب لا تقول في البعير إلا كشطته أو جلدته، والمعنى: أزيلت عما فوقها. وقال القرطبي: طويت.
{وإذا الجحيم} أي: النار الشديدة التأجج {سعرت} أي: أججت فأضرمت للكفار وزيد في إحمائها يقال سعرت الناء وأسعرتها. روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «أوقد على النار ألف سنة حتى احمرّت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودّت فهي سوداء مظلمة» واحتج بهذه الآية من قال: النار مخلوقة الآن لأنه يدل على أنّ سعيرها معلق بيوم القيامة. وقرأ نافع وابن ذكوان وعاصم بتشديد العين والباقون بتخفيفها.
{وإذا الجنة} أي: البستان