كحمر في أحمر وحمراء، أي: بساتين كثيرة الأشجار. والأصل في الوصف بالغلب الرقاب، يقال: رجل أغلب وامرأة غلباء غليظا الرقبة فاستعير. قال عمرو بن معد يكرب:

*يمشي بها غلب الرجال كأنهم ... بزل كسين من الكحيل جلالا*

وقال مجاهد ومقاتل: الغلب الملتفة الشجر بعضه في بعض. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الطوال. وقيل: غلاظ الأشجار.

{وفاكهة} وهي ما تأكله الناس من ثمار الأشجار كالتين والخوخ، قال النووي في منهاجه: ويدخل في فاكهة رطب وعنب ورمّان وأترج ورطب ويابس أي: كالتمر والزبيب، قال: قلت: وليمون ونبق وبطيخ ولب فستق وبندق وغيرها في الأصح. {وأباً} وهو ما تأكله الدواب لأنه يؤب أي: يؤمّ وينتجع إليه. وقال عكرمة: الفاكهة ما يأكله الناس، والأب ما تأكله الدواب، وقيل: التبن. وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه سئل عن الأب فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله تعالى ما لا علم لي به. وعن عمر رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية فقال: كل هذا عرفنا فما الأب؟ ثم رفض عصا كانت بيده، ثم قال: هذا لعمر الله التكلف وما عليك يا ابن أمّ عمر أن لا تدري ما الأبّ، ثم قال: اتبعوا ما تبين لكم من هذا الكتاب وما لا فدعوه.

فإن قيل: هذا يشبه النهي عن تتبع معاني القرآن والبحث عن مشكلاته؟ أجيب: بأنه لم يذهب إلى ذلك ولكن القوم كانت أكثر همتهم عاكفة على العمل، وكان التشاغل بشيء من العلم الذي لا يعمل به تكلفاً عندهم، فأراد أنّ الآية مسوقة عندهم في الامتنان على الإنسان بمطعمه واستدعاء شكره، وقد علم من فحوى الآية أنّ الأب بعض ما أنبته الله تعالى للإنسان متاعاً له أو لإنعامه، فعليك بما هو أهمّ من النهوض بالشكر لله تعالى على ما بين لك، ولم يشكل مما عدّد من نعمه، ولا تتشاغل عنه بطلب معنى الأب ومعرفة النبات الخاص الذي هو اسم له، واكتف بالمعرفة الجملية إلى أن يتبين لك من مشكلات القرآن.

{متاعاً} أي: العشب، أي: منفعة أو تمتيعاً كما تقدّم في السورة قبلها {لكم} أي: الفاكهة {ولأنعامكم} وتقدّم أيضاً في السورة التي قبلها معرفة الأنعام والحكمة في الاقتصار عليها.

ولما ذكر تعالى هذه الأشياء وكان المقصود منها ثلاثة: أوّلها: الدلائل الدالة على التوحيد، وثانيها: الدلائل الدالة على القدرة والمعاد. وثالثها: أنّ هذا الإله الذي أحسن إلى عبيده بهذه الأنواع العظيمة من الإحسان لا يليق بالعاقل أن يتمرّد على طاعته وأن يتكبر على عبيده أتبع ذلك بما يكون كالمؤكد لهذه الأغراض وهو شرح أحوال القيامة، فإن الإنسان إذا سمعها خاف فيدعوه ذلك الخوف إلى التأمّل في الدلائل والإيمان بها والإعراض عن الكفر، ويدعوه أيضاً إلى ترك التكبر على الناس وإلى إظهار التواضع فقال تعالى:

{فإذا جاءت} أي: كانت ووجدت لأنّ كل ما هو كائن لاقيك وجاء إليك {الصاخة} أي: صيحة القيامة وهي النفخة الثانية التي تصخ الأذن، أي: تصمها لشدّة وقعتها. مأخوذة من صخه بالحجر أي: صكه به. وقال الزمخشري: صخ لحديثه مثل أصاخ فوصفت النفخة بالصاخة مجازاً، لأنّ الناس يصخون لها. وقال ابن العربي: الصاخة التي تورث الصمم وإنها لمسمعة، وهذا من بديع الفصاحة كقوله:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015