{بسم الله} الواحد القهار {الرحمن} الذي عمّ بإنعامه الأبرار والفجار {الرحيم} الذي خص أولياءه برحمته في دار القرار.
{عبس} أي: كلح وجهه النبي صلى الله عليه وسلم {وتولى} أي: أعرض بوجهه لأجل {أن جاءه الأعمى} وهو ابن أمّ مكتوم وأم مكتوم أمّ ابيه واسمها عاتكة بنت عامر بن مخزوم، واسمه عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بني عامر بن لؤيّ، وذلك أنه جاءه وعنده صناديد قريش عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام، والعباس بن عبد المطلب، وأمية ابن خلف، والوليد بن المغيرة يدعوهم إلى الإسلام رجاء أن يسلم أولئك الأشراف الذين كان يخاطبهم فيتأيد بهم الإسلام ويسلم بإسلامهم أتباعهم، فتعلو كلمة الله تعالى، فقال: يا رسول الله، أقرئني وعلمني مما علمك الله تعالى وكرّر ذلك وهو لا يعلم تشاغله بالقوم، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعه لكلامه وعبس وأعرض عنه، وقال في نفسه: يقول هؤلاء الصناديد: إنما اتبعه العميان والعبيد والسفلة فعبس وجهه وأعرض عنه وأقبل على القوم الذين يكلمهم، فأنزل الله تعالى هذه الآيات فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه، وإذا رآه قال: «مرحباً بمن عاتبني فيه ربي» ، ويبسط له رداءه ويقول له: «هل لك حاجة؟» واستخلفه على المدينة مرّتين في غزوتين غزاهما. قال أنس بن مالك: رأيته يوم القادسية راكباً وعليه درع وله راية سوداء. { {
{وما يدريك} أي: أيّ شيء يجعلك دارياً بحاله {لعله} أي: الأعمى {يزكى} فيه إدغام التاء في الأصل في الزاي، أي: يتطهر من الذنوب بما يسمع منك وفي ذلك إيماء بأنّ إعراضه كان لتزكية غيره.
{أو يذكر} فيه إدغام التاء في الذال أي: يتعظ وتسبب عن تزكيته وتذكره قوله تعالى: {فتنفعه الذكرى} أي: العظمة المسموعة منك، وقرأ عاصم بنصب العين والباقون برفعها، فمن رفع فهو نسق على قوله تعالى: {أو يذكر} ومن نصب فعلى جواب الترجي كقوله تعالى في غافر: {فأطلع إلى إله موسى} (غافر: 37)
. وقال ابن عطية في جواب التمني لأن قوله تعالى: {أو يذكر} في حكم قوله تعالى: {لعله يزكى} .
واعترض عليه أبو حيان: بأنّ هذا ليس تمنياً وإنما هو ترجٍ. وأجيب عنه: بأنه إنما يريد التمني المفهوم وقت الذكرى.
وقرأ الذكرى أبو عمرو وحمزة والكسائي بالإمالة محضة، وورش بين اللفظين، والباقون بالفتح وقيل: الضمير في لعله للكافر يعني: أنك طمعت في أن يتزكى بالإسلام أو يذكر فتقرّبه الذكرى إلى قبول الحق وما يدريك أنّ ما طمعت فيه كائن.
{أما من استغنى} أي: بالمال، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: استغنى عن الله وعن الإيمان بما له من المال.
{فأنت له} أي: دون الأعمى {تصدّى} أي: تتعرّض له بالإقبال عليه والمصادّة المعارضة وقرأ نافع وابن كثير بتشديد الصاد بإدغام التاء الثانية في الأصل فيها والباقون بالتخفيف.
{وما} أي: فعلت ذلك والحال أنه ما {عليك} أي: وليس عليك بأس {ألا يزكى} أي: في أن لا يتزكى بالإسلام حتى يبعثك الحرص على إسلامه إلى الإعراض عمن أسلم إن عليك إلا البلاغ.
{وأما من جاءك} حال كونه {يسعى} أي: يسرع في طلب الخير وهو ابن أمّ مكتوم {وهو} أي: والحال أنه {يخشى} أي: الله أو الكفار في أذاهم على الإتيان إليك. وقيل: جاء وليس معه قائد فهو يخشى الكبوة، وقرأ قالون وأبو عمرو والسدّي بسكون الهاء والباقون بضمها.
{فأنت عنه تلهى} فيه حذف التاء الآخرة في الأصل، أي: تتشاغل، وقرأ {وتولى} ، {الأعمى} ، {يزكى} ، {من استغنى} ، {تصدّى} ، {يزكى} ، {يسعى} ، {يخشى}