وكان المسلمون عندهم كاذبين فبينهم مكاذبة، أو لأنهم يتكلمون بما هو إفراط في الكذب فعل من يغالب في أمر فبلغ فيه أقصى جهده.

{وكل شيء} أي: من الأعمال وغيرها {أحصيناه} أي: ضبطناه، وقوله تعالى: {كتاباً} فيه وجهان أحدهما: أنه مصدر في موضع إحصاء والإحصاء والكتب يتشاركان في معنى الضبط، ثانيهما: أن يكون حالاً بمعنى مكتوباً في اللوح المحفوظ كقوله تعالى: {وكل شيء أحصيناه في إمام مبين} (يس: 12)

. وقيل: أراد ما تكتبه الملائكة الموكلون بالعباد بأمر الله تعالى إياهم بالكتابة لقوله تعالى: {وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين} (الإنفطار: 10 ـ 11)

والجملة اعتراض.

وقوله تعالى: {فذوقوا فلن نزيدكم} أي: شيئاً من الأشياء في وقت من الأوقات {إلا عذاباً} تسبب عن كفرهم بالحساب وتكذيبهم بالآيات، قال الرازي: وفي هذه الآية مبالغات منها لن للتأكيد ومنها الالتفات، ومنها إعادة قوله تعالى: {فذوقوا} بعد ذكر العذاب، قال أبو بردة: سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم عن أشدّ آية في القرآن؟ فقال صلى الله عليه وسلم «قوله تعالى: {فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً} » أي: كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب و {كلما خبت زدناهم سعيراً} .

ولما ذكر تعالى ما للكافرين أتبعه بذكر ما للمؤمنين فقال تعالى:

{إنّ للمتقين مفازاً} أي: مكان فوز في الجنة.

وقوله تعالى: {حدائق} أي: بساتين فيها أنواع الأشجار المثمرة بدل من مفازاً بدل الإشمال أو البعض أو بيان له وقوله تعالى: {وأعناباً} أي: كروماً عطف على مفازاً.

{وكواعب} أي: جواري تكعب ثديهنّ جمع كاعب {أتراباً} أي: على سنّ واحد جمع ترب بكسر التاء وسكون الراء وقيل: الأتراب اللدات.

{وكأساً دهاقاً} أي: خمراً مالئة محالها وفي القتال {وأنهار من خمر} والدهاق المترعة ودهق الحوض ملأه حتى قال: قطني، وقال ابن عباس: مترعة مملوءة. وقال عكرمة: صافية.

{لا يسمعون فيها} أي: الجنة في وقت ما عند شرب الخمر وغيره من الأحوال {لغواً} أي: لغطاً يستحق أن يلغى بأن يكون ليس له معنى، وقوله تعالى: {ولا كذاباً} قرأه بالتخفيف الكسائي وبالتشديد الباقون، أي: تكذيباً من واحد لغيره بخلاف ما يقع في الدنيا عند شرب الخمر.

{جزاء من ربك} أي: المحسن إليك بما أعطاك جزاهم بذلك جزاء. وقوله تعالى: {عطاء} بدل من جزاء وهو اسم مصدر وجعله الزمخشري منصوباً بجزاء نصب المفعول به، وردّه أبو حيان بأنه جعل جزاء مصدراً مؤكداً لمضمون الجملة التي هي {إنّ للمتقين} قال: والمصدر المؤكد لا يعمل لأنه لا ينحل لحرف مصدري والفعل ولا نعلم في ذلك خلافاً {حساباً} أي: كافياً وافياً يقال: أحسبت فلاناً أي: أعطيته ما يكفيه حتى قال حسبي. وقال ابن قتيبة أي: عطاء كثيراً، وقيل: جزاء بقدر أعمالهم.

وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن} برفع رب والرحمن وابن عامر وعاصم بخفضهما والآخران بخفض الأول ورفع الثاني.

أما رفعهما فمن أوجه: أحدها: أن يكون رب خبر مبتدأ مضمر أي: هو رب والرحمن كذلك، أو مبتدأ خبره لا يملكون، ثانيها: أن يجعل رب مبتدأ والرحمن خبره، ولا يملكون خبراً ثانياً أو مستأنفاً، ثالثها: أن يكون ربّ مبتدأ والرحمن نعته، ولا يملكون خبر رب. رابعها: أن يكون رب مبتدأ والرحمن مبتدأ ثانٍ ولا يملكون خبره، والجملة خبر الأوّل، وحصل الربط بتكرير المبتدأ بمعناه وهو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015