اخشعوا وتواضعوا لله بقبول وحيه واتباع دينه، واطرحوا هذا الاستكبار لا يخشعون ولا يقبلون ذلك ويصرون على استكبارهم، وأن يكون بمعنى اركعوا في الصلاة إذ روي أنها نزلت في ثقيف حين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة فقالوا: لا نجبي فإنها مسبة علينا فقال صلى الله عليه وسلم «لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود» . قال في القاموس: جبى تجبية وضع يديه على ركبتيه أو على الأرض أو انكب على وجهه، والتجبية أن تقوم قيام الراكع. واستدل بهذه الآية على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، وأنهم حال كفرهم يستحقون الذم والعقاب بترك الصلاة؛ لأنّ الله تعالى ذمهم حال كفرهم، وعلى أنّ الأمر للوجوب لأنّ الله تعالى ذمهم بمجرّد ترك المأمور به، وهو يدل على أنّ الأمر للوجوب.
فإن قيل: إنما ذمهم لكفرهم. أجيب بأنه تعالى ذمهم على كفرهم من وجوه إلا أنه تعالى إنما ذمهم في هذه الآية لتركهم المأمور به.
وقرأ هشام والكسائي بضم القاف والباقون بكسرها.
{ويل يومئذ} أي: إذ يكون الفصل {للمكذبين} أي: بما أمروا به.
قال الرازي: إنه تعالى لما بالغ في زجر الكفار من أول هذه السورة إلى آخرها بهذه الوجوه العشرة المذكورة وحث على التمسك بالنظر والاستدلال والانقياد للدين الحق ختم السورة بالتعجب من الكفار، وبين أنهم إذا لم يؤمنوا بهذه الدلائل القطعية مع تجليها ووضوحها {فبأي حديث بعده} أي: القرآن {يؤمنون} أي: لا يمكن إيمانهم بغيره من كتب الله تعالى بعد تكذيبهم به لاشتماله على الإعجاز الذي لم يشتمل عليه غيره، واستدل بعض المعتزلة بهذه الآية على أنّ القرآن حادث لأن الله تعالى وصفه بأنه حديث والحديث ضد القديم والضدان لا يجتمعان، فإذا كان حديثاً وجب أن لا يكون قديماً. وأجيب: بأن المراد منه هذه الألفاظ ولا نزاع في أنها محدثة.
وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري: إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة والمرسلات كتب الله تعالى له أنه ليس من المشركين» حديث موضوع.
وتسمى سورة النبأ مكية وهي أربعون أو إحدى وأربعون آية ومائةوثلاثة وسبعون كلمة وسبعمائة وسبعون حرفاً
{بسم الله} الذي له الملك كله {الرحمن} الذي عم الوجود بفضله {الرحيم} الذي تمحضت أولياؤه جنته. وقوله تعالى:
{عم} أصله عن ما على أنه حرف جر دخل على ما الاستفهامية وأدغمت النون في الميم وحذفت ألف ما، كقوله فيم واستعمال الأصل قليل. ومنه قول حسان:
*على ما قام يشتمني لئيم ... كخنزير تمرّغ في رماد*
ومعنى هذا الاستفهام تفخيم الشأن كأنه قال عن أي شيء {يتساءلون} ، ونحوه قولك: زيد ما زيد جعلته لانقطاع قرينه وعدم نظيره كأنه شيء خفي عليك، فأنت تسأل عن جنسه وتفحص عن جوهره كما تقول: ما الغول، وما العنقاء تريد أي شيء هو من الأشياء هذا أصله، ثم جرد للعبارة عن التفخيم حتى وقع في كلام من لا تخفى عليه خافية، ولذا لما وقف البزي ألحق الميم هاء السكت بخلاف عنه، والضمير في يتساءلون لأهل مكة، كانوا يتساءلون عن البعث فيما بينهم. وذلك أن النبيّ