غير مقرون بإلى، كقوله تعالى: {انظرونا نقتبس من نوركم هل ينظرون إلا أن} (الحديد: 13)
والذي ندعيه أن النظر المقرون بإلى ليس إلا بمعنى الرؤية؛ لأنّ وروده بمعنى الرؤية ظاهرة فلا يكون بمعنى الانتظار دفعاً للاشتراك.
ولما ذكر تعالى أهل النعمة أتبعه أضدادهم من أهل النقمة فقال سبحانه وتعالى:
{ووجوه يومئذ} أي: في ذلك اليوم بعينه {باسرة} أي: شديدة العبوس والكلوح والتكره لما هي فيه من الغم كأنها قد غرقت فيه. وقال السدي: {باسرة} متغيرة.
{تظن} أي: يتوقع أربابها بما ترى من المخايل {أن يفعل بها} أي: بهم فإنه إذا أصيب الوجه الذي هو أشرف ما في الجملة كان ما عداه أولى {فاقرة} وهي الداهية العظيمة، قال أبو عبيدة: سميت بذلك لأنها تكسر فقار الظهر يقال: فقرته الفاقرة أي: كسرت فقار ظهره ومنه سمي الفقير لانكسار فقاره من القل. وقال قتادة: الفاقرة الشر، وقال السدي: الهلاك. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: دخول النار. وقال الكلبي: هي أن تحجب عن رؤية الربّ عز وجل.
وقوله تعالى: {كلا} ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة قاله البيضاوي تبعاً للزمخشري، وزاد الزمخشري كأنه قيل: ارتدعوا عن ذلك وتنبهوا إلى ما بين أيديكم من الموت الذي عنده تنقطع العاجلة عنكم وتنقلبون إلى الآجلة التي تبقوا فيها مخلدين {إذا بلغت} النفس {التراقي} وأضمر النفس وإن لم يجر لها ذكر؛ لأنّ الكلام الذي وقعت فيه يدل عليها كما قال حاتم:
*أماويّ ما يغني الثراء عن الفنى ... إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر*
وتقول العرب: أرسلت، يريدون جاء المطر، ولا تكاد تسمعهم يذكرون السماء. والتراقي: جمع ترقوة وهي العظام المكتنفة لثغرة النحر عن يمين وشمال، ولكل إنسان ترقوتان. قال البقاعي: ولعله جمع المثنى إشارة إلى شدة انتشارها بغاية الجهد لما فيه من الكرب لاجتماعها من أقاصي البدن إلى هناك ا. هـ. وهذا كناية عن الإشفاء على الموت ذكرهم صعوبة الموت وهو أول مراحل الآخرة حين تبلغ الروح التراقي ودنا زهوقها.
{وقيل} أي: قال حاضر وصاحبها وهو المحتضر بعضهم لبعض {من راق} أي: أيكم يرقيه مما به ليحصل له الشفاء. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: هو من كلام ملائكة الموت، أي: أيكم يرقى بروحه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب، فالأول اسم فاعل من رقى يرقى بمعنى الرقية بالفتح في الماضي والكسر في المضارع. والثاني: الذي بمعنى الصعود بالكسر في الماضي والفتح في المضارع.
{وظن} أي: أيقن المحتضر لما لاح له من أنوار الآخرة، وقيل: القائل من راق من أهله {أنه} أي: الشأن العظيم الذي هو فيه {الفراق} لما كان أي: فيه من محبوب العاجلة الذي هو الفراق الأعظم الذي لا فراق مثله، ففي الخبر إن العبد ليعالج كرب الموت وسكراته وإن مفاصله ليسلم بعضها على بعض تقول: السلام عليك تفارقني وأفارقك إلى يوم القيامة، وسمي اليقين هنا بالظن لأنّ الإنسان ما دامت روحه متعلقة ببدنه، فإنه يطمع في الحياة لشدّة حبه لهذه الحياة العاجلة ولا ينقطع رجاؤه عنها، أو أنّ المراد الظن الغالب إذ لا يحصل يقين الموت مع رجاء الحياة. وقيل: سماه بالظن تهكماً قال الرازي: وهذه الآية تدل على أن الروح جوهر قائم بنفسه باق بعد موت البدن لأنه تعالى سمى الموت فراقاً، والفراق إنما يكون