وهذا مجاز بعيد لأنه لم يكن نبياً بعد أي: على القول بأنها أوّل سورة نزلت وأمّا على أنها نزلت بعد فترة الوحي فليس ببعيد.
وثانيها: أنّ المدّثر بالثوب يكون كالمختفي فيه، وهو صلى الله عليه وسلم كان في جبل حراء كالمختفي من الناس فكأنه قال: يا أيها المدّثر بدثار الاختفاء قم بهذا الأمر واخرج من زاوية الخمول، واشتغل بإنذار الخلق والدعوة إلى معرفة الحق.
وثالثها: أنه تعالى جعله رحمة للعالمين فكأنه قيل له: يا أيها المدّثر بأثواب العلم العظيم والخلق الكريم والرحمة الكاملة قم فأنذر عذاب ربك، وعلى كلا القولين في ندائه ملاطفة في الخطاب من الكريم إلى الحبيب إذ ناداه بحاله وعبر عنه بصفته ولم يقل: يا محمد.
{وربك} أي: خاصة {فكبر} أي: عظمه عما يقول عبدة الأوثان وصفه بأنه أكبر من أن تكون له صاحبة أو ولد، وفي الحديث أنهم قالوا بم تفتتح الصلاة؟ فنزل {وربك فكبر} أي: صفه بأنه أكبر. قال ابن العربي: وهذا القول وإن كان يقتضي بعمومه تكبير الصلاة، فإنه يرادفه تكبير التقديس والتنزيه بخلع الأنداد والأصنام دونه ولا يتخذ ولياً غيره ولا يعبد سواه.
وروي أنّ أبا سفيان قال يوم أحد: اعل هبل وهو اسم صنم كان لهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم قولوا الله أعلى وأجل، وقد صار هذا اللفظ بعرف الشرع في تكبير العبادات كلها أذاناً وصلاة وذكراً يقول: الله أكبر، وحمل عليه لفظ النبيّ صلى الله عليه وسلم الوارد على الإطلاق مواردها منها قوله: «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم» ، والشرع يقتضي بعرفه ما يقتضي بعزمه. ومن موارده أوقات الإهلال بالله تعالى تخليصاً له من الشرك وإعلاماً باسمه بالنسك وإفراداً لما شرع من أمره بالنسك، والمنقول عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في التكبير في الصلاة هو لفظ الله أكبر.
وقال المفسرون: لما نزل قوله تعالى {وربك فكبر} قام النبيّ صلى الله عليه وسلم وقال: «الله أكبر» فكبرت خديجة رضي الله تعالى عنها وفرحت وعلمت أنه وحي من الله تعالى» ذكره القشيري، وقال مقاتل: هو أن يقال الله أكبر وقيل: المراد منه التكبير في الصلاة، واستشكل ذلك على القول بأنها أوّل سورة نزلت، فإنّ الصلاة لم تكن فرضت. وأجيب: بأنه يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان له صلوات تطوّع فأمر أن يكبر فيها.
تنبيه: دخلت الفاء في قوله تعالى {فكبر} وفيما بعده لإفادة معنى الشرط كأنه قيل: وما يكن فكبر ربك أو للدلالة على أنّ المقصود الأوّل من الأمر بالقيام أن يكبر ربه عن الشرك والتشبيه، فإنّ أوّل ما يجب معرفة الصانع، وأوّل ما يجب بعد العلم بوجوده تنزيهه والقوم كانوا مقرّين به.
{وثيابك فطهر} أي: من النجاسات لأنّ طهارة الثياب شرط في صحة الصلاة لا تصح إلا بها وهي الأولى والأحبّ في غير الصلاة، وقبيح بالمؤمن الطيب أن يحمل خبثاً. قال الرازي: إذا حملنا التطهير على حقيقته ففي الآية ثلاث احتمالات:
الأوّل: قال الشافعي: المقصود من الآية الإعلام بأنّ الصلاة لا تجوز إلا في ثياب طاهرة من الأنجاس.
وثانيها: روي أنهم ألقوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاء شاة فشق عليه، فرجع إلى بيته حزيناً وتدثر في ثيابه صلى الله عليه وسلم فقيل: {يا أيها المدّثر قم فأنذر} ولا تمنعك تلك الشناعة عن الإنذار {وربك فكبر} على أن لا يتنقم منهم {وثيابك فطهر} عن تلك النجاسات والقاذورات.
وثالثها: قال عبد الرحمن بن زيد بن