الكلام الذي هو أوضح من الشمس حال كونهم {قبلك} أي: نحوك أيها الرسول الكريم وفيما أقبل عليك {مهطعين} أي: مسرعين مع مد الأعناق وإدامة النظر إليك في غاية العجب من مقالك، هيئة من يسعى إلى أمر لا حياة له بدونه {عن} أي: متجاوزين إليك مكاناً عن جهة {اليمين} أي: منك حيث يتيمنون به {وعن الشمال} أي: منك وإن كانوا يتشاءمون به، وقوله تعالى: {عزين} حال من الذين كفروا، وقيل: من الضمير في مهطعين فتكون حالاً متداخلة، أي: جماعات جماعات وحلقاً حلقاً متفرقين فرقاً شتى أفواجاً لا يتمهلون ليأتوا جميعاً. جمع عزة وأصلها عزوة لأنّ كل فرقة تعتزي إلى غير ما تعتزي إليه الأخرى فهم متفرقون قال الكميت:

*ونحن وجندل باغ تركنا ... كتائب جندل شتى عزينا*

وجمع عزة جمع سلامة شذوذاً.

وقيل: كان المستهزؤون خمسة أرهط روي أنّ المشركين كانوا يجتمعون حول النبيّ صلى الله عليه وسلم يستمعون كلامه ويستهزؤون به ويكذبونه ويقولون: إن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد فندخلها قبلهم، فردّ الله تعالى عليهم بقوله عز من قائل: {أيطمع} أي: هؤلاء البعداء البغضاء، وعبر بالطمع إشارة إلى أنهم بلغوا الغاية في السفه لكونهم طلبوا أعز الأشياء من غير سبب تعاطوه له.

ولما كان إتيانهم على هيئة التفرق من غير انتظار جماعة لجماعة قال تعالى: {كل امرئ منهم} أي: على انفراده {أن يدخل} أي: وهو كافر من غير إيمان يزكيه كما يدخل المسلم، فيستوي المسيء والمحسن {جنة نعيم} أي: لا شيء فيها عير النعيم.

وقوله تعالى: {كلا} ردع لهم عن طمعهم ودخولهم الجنة، أي: لا يكون ما طمعوا فيه أصلاً؛ لأنّ ذلك ثمن فارغ لا سبب له بما دل عليه التعبير بالطمع دون الرجاء. ثم علل ذلك بقوله تعالى: {إنا خلقناهم} أي: بالقدرة التي لا يقدر أحد أن يقاومها {مما يعلمون} أي: أنهم يعلمون أنهم مخلوقون من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة كما خلق سائر جنسهم، فليس لهم فضل يستوجبون به الجنة، وإنما تستوجب بالإيمان والعمل الصالح ورحمة الله تعالى. وقيل: كانوا يستهزؤون بفقراء المسلمين ويتكبرون عليهم فقال تعالى: {إنا خلقناهم ممايعلمون} أي: من القذر وهو منصبهم الذي لا منصب أوضع منه ولذلك أبهم وأخفى إشعاراً بأنه منصب يستحيا من ذكره، فلا يليق بهم هذا التكبر ويدعون التقدم ويقولون: ندخل الجنة قبلهم.

قال قتادة في هذه الآية إنما خلقت يا ابن آدم من قذر، فاتّقِ الله. وروي أنّ مطرّق بن عبد الله بن الشخير رأى المهلب بن أبي صفرة يتبختر في مطرف خز وجبة خز، فقال له: يا عبد الله ما هذه المشية التي يبغضها الله تعالى؟ فقال له: أتعرفني؟ قال: نعم، أوّلك نطفة مزرة وآخرك جيفة قذرة، وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة فمضى المهلب وترك مشيته.

فائدة: قال ابن عربي في «الفتوحات» : خلق الله الناس على أربعة أقسام: قسم لا من ذكر ولا من أنثى وهو آدم عليه السلام، وقسم من ذكر فقط وهو حوّاء، وقسم من أنثى فقط وهو عيسى عليه السلام، وقسم من ذكر وأنثى وهو بقية الناس.

{فلا} زيدت فيه لا {أقسم برب} أي: سيد ومبدع ومدبر {المشارق} أي: التي تشرق الشمس والقمر والكواكب السيارة، كل يوم في موضع منها على المنهاج الذي دبره والطريق والقانون الذي أتقنه وسخره ستة أشهر صاعدة وستة أشهر هابطة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015