أمل ولم يعط حق الله تعالى منه فكان همه الإعطاء لا إبطاء ما وجب من الحق إقبالاً على الدنيا وإعراضاً عن الآخرة، وقرأ: {لظى} و {للشوى} و {تولى} {فأوعى} حمزة والكسائي بالإمالة محضة، وورش وأبو عمرو بين بين، والفتح عن ورش قليل والباقون بالفتح.

{إن الإنسان} أي: الجنس عبر به لما له من الأنس بنفسه والرؤية لمحاسنها والنسيان لربه ولدينه {خلق هلوعاً} أي: جبل جبلة هو فيها بليغ الهلع وهو أفحش الجزع مع شدة الحرص وقلة الصبر والشح على المال والسرعة فيما لا ينبغي، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: إنه الحريص على ما لا يحل له.

وروي عنه أن تفسيره ما بعده وهو قوله تعالى: {إذا مسه} أي: أدنى مس {الشر} أي: هذا الجنس، وهو ما تطاير شرره من الضرر {جزوعاً} أي: عظيم الجزع وهو ضد الصبر بحيث يكاد صاحبه ينقدّ نصفين ويتفتت {وإذا مسه} كذلك {الخير} هذا الجنس وهو ما يلائمه فيجمعه من السعة في المال وغيره من أنواع الرزق {منوعاً} أي: مبالغاً في الإمساك عما يلزمه من الحقوق للانهماك في حب العاجل وقصور النظر عليه وقوفاً مع المحسوس لغلبة الجمود والبلادة، وهذا الوصف ضد الإيمان لأنه نصفان شكر وصبر.

فإن قيل: حاصل هذا الكلام أنه نفور عن المضارّ طالب للراحة، وهذا هو اللائق بالعقل فلم ذمه الله تعالى عليه؟ أجيب: بأنه إنما ذمه عليه لقصور نظره على الأمور العاجلة، والواجب عليه أن يكون شاكراً راضياً في كل حال.

وقوله تعالى: {إلا المصلين} استثناء للموصوفين بالصفات الآتية من المطبوعين على الأحوال المذكورة قبل مضادّة تلك الصفات لها من حيث إنها دالة على الاستغراق في طاعة الحق، والإشفاق على الخلق، والإيمان بالجزاء، والخوف من العقوبة، وكسر الشهوة، وإيثار العاجل على الآجل، وتلك ناشئة عن الانهماك في حب العاجل وقصور النظر عليها {الذين هم} أي: بكلية ضمائرهم وظواهرهم {على صلاتهم} أي: التي هي معظم دينهم وهي النافعة لهم لا لغيرهم بما أفادته الإضافة، والمراد الجنس الشامل لجميع الأنواع إلا أن معظم المقصود الفرض، ولذلك عبر بالاسم الدال على الثبات في قوله تعالى: {دائمون} أي: لا فتور لهم عنها ولا انفكاك لهم منها، وقال عقبة بن عامر: هم الذين إذا صلوا لم يلتفتوا يميناً ولا شمالاً، والدائم: الساكن، ومنه نهي عن البول في الماء الدائم، أي: الساكن. وقال ابن جريج والحسن: هم الذين يكثرون فعل التطوع منها.

فإن قيل: كيف قال تعالى: {على صلاتهم دائمون} وقال تعالى في موضع آخر: {على صلواتهم يحافظون} (الأنعام: 92)

أجيب: بأن دوامهم عليها أن لا يتركوها في وقت، ومحافظتهم عليها ترجع إلى الاهتمام بحالها حتى تأتي على أكمل الوجوه من المحافظة على شرائطها، والإتيان بها في الجماعة وفي المساجد الشريفة، وفي تفريغ القلب عن الوسواس والرياء والسمعة، وأن لا يلتفت يميناً ولا شمالاً، وأن يكون حاضر القلب فاهماً للأذكار، مطلعاً على حكم الصلاة متعلق القلب بدخول أوقات الصلاة.

ولما ذكر تعالى زكاة الروح أتبعه زكاة عديلها، فقال تعالى مبينا للرسوخ في الوصف بالعطف بالواو: {والذين في أموالهم} التي منّ الله سبحانه بها عليهم {حق معلوم} أي: من الزكوات وجميع النفقات الواجبة. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: من أدى زكاة ماله فلا جناح عليه أن لا يتصدق {للسائل} أي: الذي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015