وعلمه، وكل شيء قال: {وما يدريك} فإنه مما لم يعلمه. وقال سفيان بن عيينة: كل شيء قال فيه: {وما أدراك} فإنه أخبر به، وكل شيء قال فيه: {وما يدريك} فإنه لم يخبر به، وقرأ أبو عمرو وشعبة وحمزة والكسائي وابن ذكوان بخلاف عنه بالإمالة، وورش بين اللفظين، والباقون بالفتح.
ولما ذكر الساعة وفخمها أتبع ذلك ذكر من كذب بها وما حل بهم بسبب التكذيب تذكيراً لأهل مكة وتخويفاً لهم من عاقبة تكذيبهم فقال تعالى: {كذبت ثمود} قدمهم لأن بلادهم أقرب إلى قريش وواعظ القرب أكبر وإهلاكهم بالصيحة وهي أشبه بصيحة النفخ في الصورة المبعثرة لما في القبور {وعاد بالقارعة} أي: القيامة سميت بذلك لأنها تقرع قلوب العباد بالمحاقة أو لأنها تقرع الناس بأهوالها يقال: أصابتهم قوارع الدهر، أي: أهواله وشدائده. وقوارع القرآن: الآيات التي يقرؤها الإنسان إذا فزع من الإنس أو الجن نحو: آية الكرسي، كأنه يقرع الشيطان بها. وقال المبرَّد: القارعة مأخوذة من القرعة من رفع قوم وحط آخرين وقوارع القيامة انفطار السماء بانشقاقها، والأرض والجبال بالدك والنسف، والنجوم بالطمس والانكدار، ووضعت موضع الضمير لتدل على معنى القرع في الحاقة زيادة في وصف شدتها، وقيل: عنى بالقارعة العذاب الذي نزل بهم في الدنيا، وكان نبيهم يخوفهم بذلك فيكذبونه.
وثمود قوم صالح وكانت منازلهم بالحجر فيما بين الشام والحجاز، قال ابن إسحاق: وهو وادي القرى وكانوا عرباً، وأما عاد فقوم هود وكانت منازلهم بالأحقاف رمل بين عمان إلى حضرموت واليمن كله وكانوا عرباً ذوي بسطة في الخلق.
{فأمّا ثمود فأهلكوا} أي: بأيسر أمر من أوامرنا {بالطاغية} أي: الواقعة التي جاوزت الحدّ في الشدة فرجفت منها القلوب، واختلف فيها فقيل: الرجفة، وعن ابن عباس: الصاعقة، وعن قتادة: بعث الله تعالى عليهم صيحة فأهمدتهم. وقال مجاهد: بالذنوب، وقال الحسن: بالطغيان فهو مصدر كالكاذبة والعاقبة، أي: أهلكوا بطغيانهم وكفرهم قال الزمخشري: وليس بذاك لعدم الطباق بينها وبين قوله تعالى: {بريح صرصر} لكن قال ابن عادل: ويوضحه {كذبت ثمود بطغواها} (الشمس: 11)
أهلكوا بها ولأجلها. قال: والباء سببية على الأقوال كلها إلا على قول قتادة، فإنها فيه للاستعانة كعملت بالقدّوم.
{وأمّا عاد فأهلكوا} أي: بأشق ما يكون عليهم وبأيسر ما يكون علينا {بريح صرصر} أي: شديدة الصوت لها صرصرة، وقيل: هي الباردة من الصرّ كأنها التي كرر فيها البرد وكثر، فهي تحرق بشدة بردها. وقال مجاهد: هي الشديدة السموم {عاتية} أي: مجاوزة للحدّ في شدة عصفها، والعتو استعارة، أو عتت على عاد فما قدروا على ردها بحيلة، من استتار ببناء أو لياذ بجبل أو اختفاء في حفرة، فإنها كانت تنزعهم من مكانهم وتهلكم، وقيل: عتت على خزانها فخرجت بلا كيل ولا وزن، وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ما أرسل الله تعالى سفينة من ريح إلا بمكيال ولا قطرة من مطر إلا بمكيال، إلا يوم عاد ويوم نوح فإن الماء يوم نوح طغى على الخزان فلم يكن لهم عليه سبيل ثم قرأ {إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية} (الحاقة: 11)
وإن الريح يوم عاد عتت على الخزان فلم يكن لهم عليها سبيل ثم قرأ: {بريح صرصر عاتية} . {سخرها} أرسلها {عليهم} وقال مقاتل رضي الله عنه: سلطها عليهم {سبع ليال} أي: لا تفتر فيها الريح لحظة {وثمانية أيام} كذلك. قال وهب: هي الأيام