وفي الحديث وتبقى أصلابهم طبقاً واحداً، أي: فقارة واحدة.
وقوله تعالى: {خاشعة} حال من مرفوع يدعون وقوله تعالى: {أبصارهم} فاعل به ونسب الخشوع للأبصار، لأنّ ما في القلب يعرف في العين وذلك أن المؤمنين يرفعون رؤوسهم من السجود ووجوههم أضوأ من الشمس، ووجوه الكافرين والمنافقين سود مظلمة. {ترهقهم} أي: تغشاهم {ذلة} أي: عظمية لأنهم استعملوا الأعضاء التي أعطاهموها الله سبحانه ليتقرّبوا بها إليه في دار العمل في غير طاعته {وقد} أي: والحال أنهم قد {كانوا يدعون إلى السجود} أي: في الدنيا من كل داع يدعو إلينا، وقال إبراهيم التيمي: أي يدعون بالأذان والإقامة فيأبون. وقوله تعالى: {وهم سالمون} أي: معافون أصحاء، حال من مرفوع يدعون الثانية. وقال سعيد بن جبير: كانوا يسمعون حيّ على الفلاح فلا يجبيبون، وقال كعب الأحبار: والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجماعات.
ولما خوف الكفار بعظمة يوم القيامة زاد في التخويف بما عنده وفي قدرته فقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {فذرني} أي: اتركني على أيّ حالة اتفقت {ومن يكذب} أي: يوقع التكذيب لمن يتلو ما جددت إنزاله من كلامي القديم على أيّ حالة كان إيقاعه، وأفرد الضمير نصاً على تهديد كل واحد من المكذبين {بهذا الحديث} أي: القرآن، أي: خل بيني وبينهم لا تشغل قلبك به، فإني أكفيك أمره لأنه لا مانع منه فلا تهتم به أصلاً.
{سنستدرجهم} أي: سنأخذهم بعظمتنا على التدريج لا على غرّة إلى عذاب لا شك فيه {من حيث} أي: من جهات {لا يعلمون} أي: لا يتجدد لهم علم ما في وقت من الأوقات فعذبوا يوم بدر، وقال أبو روق: كلما أحدثوا خطيئة جددنا لهم نعمة وأنسيناهم الاستغفار. وقال سفيان الثوري: نسبغ عليهم النعم وننسيهم الشكر، وقال الحسن: كم مستدرج بالإحسان إليه، وكم مفتون بالثناء عليه، وكم مغرور بالستر عليه، وقال ابن عباس: سنمكر بهم، وروي أن رجلاً من بني إسرائيل قال: يا رب كم أعصيك وأنت لا تعاقبني فأوحى الله إلى نبي زمانهم أن قل له: كم من عقوبة لي عليك وأنت لا تشعر أن جمود عينيك وقساوة قلبك استدراج مني وعقوبة لو عقلت، والاستدراج ترك المعاجلة، وأصله النقل من حال إلى حال كالتدرج، ومنه قيل: درجات وهي منزلة بعد منزلة واستدرج فلان فلاناً، أي: استخرج ما عنده قليلاً قليلاً، ويقال: درجه إلى كذا واستدرجه معناه: أدناه منه على التدريج فتدرج. ومعنى الآية: إنا لما أنعمنا عليهم اعتقدوا أن ذلك الإنعام تفضيل لهم على المؤمنين وهو في الحقيقة والواقع سبب لهلاكهم.
{وأملي لهم} أي: أمهلهم وأطيل المدة كقوله تعالى: {إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً} (آل عمران: 178)
والملاوة المدة من الدهر وأملى الله له، أي: أطال له، والملوان الليل والنهار. وقيل: لا أعاجلهم بالموت. والمعنى واحد، والملا مقصوراً الأرض الواسعة سميت بها لامتدادها {إن كيدي} أي: ستري لأسباب الهلاك عمن أريد إهلاكه وإبدائي ذلك له في ملابس الإحسان {ميتن} أي: قويّ شديد فلا يفوتني أحد، وسمي إحسانه كيداً كما سماه استدارجاً لكونه في صورة الكيد، ووصفه بالمتانة لقوة أثر استحسانه في التسبب للهلاك.
{أم تسألهم} أي: أنت يا أعف الخلق وأعلاهم همماً {أجراً} على تبليغ الرسالة {فهم} أي: فتسبب عن ذلك وتعقب أنهم {من مغرم} أي: غرامة