لم يقصدوا خديعته بل المراد إمّا مخادعة رسوله أو أوليائه على حذف المضاف لأنهم لم يعتقدوا أنّ الله بعث الرسول إليهم فلم يكن قصدهم في نفاقهم مخادعة الله تعالى فعلم أنّ خداعهم مع الله ليس المراد ظاهره كما في قوله تعالى: {واسأل القرية} (يوسف، 82) أي: أهلها أو على أنّ معاملة الرسول معاملة الله تعالى من حيث أنه خليفته كما قال تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} (النساء، 80) {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} (الفتح، 10) وأمّا أنّ صورة صنيعهم مع الله تعالى من إظهار الإيمان واستبطان الكفر وصنيع الله معهم من إجراء أحكام المسلمين عليهم وهم عنده أخبث الكفار وأهل الدرك الأسفل من النار استدراجاً لهم وامتثال الرسول والمؤمنين أمر الله في إخفاء حالهم وإجراء حكم الإسلام مجاراة لهم بمثل صنيعهم صورة صنيع المتخادعين، ويحتمل أن يراد بيخادعون يخدعون لأنه بيان ليقول أو استئناف بذكر ما هو الغرض منه إلا أنه أخرج في زنة فاعل للمبالغة فإن الزنة لما كانت للمغالبة والفعل متى غولب فيه كان أبلغ منه إذا جاء بلا مغابلة معارض استصحبت الزنة ما ذكر من المبالغة وقال الجلال المحلى: والمخادعة هنا من واحد كعاقبت اللص وذكر الله فيها تحسين. {وما يخدعون إلا أنفسهم} لأنّ وبال خداعهم راجع عليهم فيفتضحون في الدنيا باطلاع نبيه على ما أبطنوه ويعاقبون في الآخرة والنفس ذات الشيء وحقيقته. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بضمّ الياء وفتح الخاء وألف بعدها وكسر الدال، وقرأ الباقون وهم عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي وما
يخدعون بفتح الياء وسكون الخاء ولا ألف بعدها وفتح الدال ولا خلاف بين القرّاء في الكلمة الأولى وهي يخادعون الله فالجميع قرؤوا بضمّ الياء وفتح الخاء وألف بعدها وكسر الدال وأمّا الرسم في الموضعين فبغير ألف {وما يشعرون} أي: لا يحسون بمعنى لا يعلمون أنّ خداعهم لأنفسهم لتمادي غفلتهم جعل لحوق وبال الخداع ورجوع ضرره إليهم في الظهور كالمحسوس الذي لا يخفى إلا على مؤف الحواس وهو المصاب بآفة.
{س2ش10/ش13 فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا? وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمُ? بِمَا كَانُوا? يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تُفْسِدُوا? فِى ا?رْضِ قَالُو?ا? إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَ? إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَاكِن s يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْءَامِنُوا? كَمَآءَامَنَ النَّاسُ قَالُو?ا? أَنُؤْمِنُ كَمَآءَامَنَ السُّفَهَآءُ? أَ? إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَآءُ وَلَاكِن s يَعْلَمُونَ}
{في قلوبهم مرض} (سورة: الآيتان 10، 13) أي: شك ونفاق لأن ذلك يمرض قلوبهم أي: يضعفها، والمرض حقيقة هو فيما يعرض للبدن فيخرجه عن الاعتدال الخاص به ويوجب الخلل في أفعاله ومجاز في الأعراض النفسانية التي تخل بكمال أفعالها كالجهل وسوء العقيدة والحسد والبغض وحب المعاصي لأنها مانعة من نيل الفضائل أو مؤدّية إلى زوال الحياة الحقيقية الأبدية، والآية تحتمل الحقيقة والمجاز وعلى المجاز اقتصر أكثر المفسرين لأنه أبلغ من الحقيقة {فزادهم الله مرضاً} بما أنزل من القرآن لأنه كلما أنزل آية كفروا بها فازدادوا شكاً ونفاقاً وإسناد الزيادة إلى الله تعالى من حيث أنه خلقها وأوجدها وإلى السورة في قوله تعالى: {فزادتهم رجساً} (التوبة، 125) لكونها سبباً، وقرأ حمزة وابن ذكوان بإمالة الألف التي بعد الزاي محضة، والباقون بالفتح {ولهم عذاب أليم} أي: مؤلم بفتح اللام وصف به العذاب للمبالغة إذ الألم إنما هو للمعذب حقيقة لا للعذاب فنسبة الألم إلى العذاب مجاز ويجوز كسر لام مؤلم كسميع بمعنى مسمع وعليه فنسبة الأليم إلى العذاب حقيقة {بما كانوا يكذبون} قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بضمّ الياء وفتح الكاف وتشديد الذال أي: بتكذيبهم النبيّ صلى الله عليه وسلم وقرأ الباقون بفتح الياء وسكون الكاف وتخفيف الذال أي: بكذبهم في قولهم: