تذليل غيرها، وليكن مشيكم فيها وتصرفاتكم بذل وإخبات وسكون استصغاراً لأنفسكم وشكراً لمن سخر لكم ذلك، وروي أن بشير بن كعب كانت له سرية فقال لها: إن أخبرتيني ما مناكب الأرض فأنت حرة، فقالت: مناكبها جبالها، فقال لها: صرت حرة فأراد أن يتزوجها فسأل أبا الدرداء فقال: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» وقال مجاهد: في أطرافها، وعنه أيضاً في طرقها وفجاجها، وهو قول السدي والحسن، وقال الكلبي: في جوانبها، ومنكبا الرجل جانباه.
فائدة: حكى قتادة عن أبي الخلدان: الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخ، للسودان اثنا عشر ألف، وللروم ثمانية آلاف، وللفرس ثلاثة آلاف، وللعرب ألف.
ثم ذكرهم تعالى بأنه سهلها لإخراج البركات بقوله تعالى: {وكلوا} ودل على أن الرزق فوق الكفاية بقوله تعالى: {من رزقه} الذي أودعه لكم فيها، قال الحسن: مما أحل لكم، وقيل: مما خلقه الله لكم رزقاً في الأرض {وإليه} أي: وحده {النشور} وهو إخراج جميع الحيوانات التي أكلتها الأرض وأفسدتها يخرجها سبحانه في الوقت الذي يريده على ما كان كل منها عليه عند الموت كما أخرج تلك الأرزاق، لا فرق بين هذا وذاك غير أنكم لا تتأملون، فيا فوز من شكر ويا هلاك من كفر، فعوّدوا أنفسكم بالخيرات لعلها تنقاد كما قيل:
* ... هي النفس ما عودتها تتعود*
ولما كان لم يكن بعد الاستعطاف إلا الإنذار قال تعالى مهدداً للمكذبين: {أأمنتم} قرأ قنبل في الوصل بإبدال الهمزة بعد راء النشور واواً، وسهل الهمزة الثانية نافع وابن كثير وأبو عمرو وهشام بخلاف عنه، وحققها الباقون، وأدخل بينهما ألفاً قالون وأبو عمرو وهشام والباقون بغير إدخال، وقوله تعالى: {من في السماء} فيه وجوه:
أحدها: من ملكوته في السماء لأنها مسكن ملائكته وثم عرشه وكرسيه واللوح المحفوظ، ومنها ينزل قضاياه وكتبه وأوامره ونواهيه.
والثاني: أن ذلك على حذف مضاف، أي: أأمنتم خالق من في السماء.
والثالث: أن في بمعنى على، أي: على السماء، كقوله: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} (طه: 71) أي: على جذوع النخل وإنما احتاج القائل بهذين الوجهين إلى ذلك لأنه اعتقد أن من واقعة على الباري تعالى شأنه وهو الظاهر وثبت بالدليل القطعي أنه ليس بمتحيز لئلا يلزم التجسيم، ولا حاجة إلى ذلك، فإن من هنا المراد بها الملائكة سكان السماء وهم الذين يتولون الرحمة والنقمة.
والرابع: أنهم خوطبوا بذلك على اعتقادهم فإن القوم كانوا مجسمة مشبهة وأنه في السماء، وأن الرحمة والعذاب نازلان منه، وكانوا يدعونه من جهتها فقيل لهم على حسب اعتقادهم: {أأمنتم من في السماء} أي: من تزعمون أنه في السماء. قال الرازي: هذه الآية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها بإجماع المسلمين، لأنّ ذلك يقتضي إحاطة السماء به من جميع الجوانب فيكون أصغر منها والعرش أكبر من السماء بكثير فيكون حقيراً بالنسبة إلى العرش وهو باطل بالاتفاق، ولأنه تعالى قال: {قل لمن ما في السموات والأرض} (الأنعام: 12) فلو كان فيها لكان مالكاً لنفسه، فالمعنى: أما من في السماء عذابه، وإما إن ذلك بحسب ما كانت العرب تعتقده، وأما من في السماء سلطانه وملكه وقدرته كما قال تعالى: {وهو الله في السموات وفي الأرض} (الأنعام: 3) فإن الشيء الواحد لا يكون دفعة في مكانين، والغرض من ذكر السماء تفخيم سلطان الله سبحانه وتعظيم قدرته، والمراد الملك الموكل بالعذاب وهو جبريل عليه السلام.
فائدة: حكى قتادة عن أبي الخلدان: الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخ، للسودان اثنا عشر ألف، وللروم ثمانية آلاف، وللفرس ثلاثة آلاف، وللعرب ألف.
ثم ذكرهم تعالى بأنه سهلها لإخراج البركات بقوله تعالى: {وكلوا} ودل على أن الرزق فوق الكفاية بقوله تعالى: {من رزقه} الذي أودعه لكم فيها، قال الحسن: مما أحل لكم، وقيل: مما خلقه الله لكم رزقاً في الأرض {وإليه} أي: وحده {النشور} وهو إخراج جميع الحيوانات التي أكلتها الأرض وأفسدتها يخرجها سبحانه في الوقت الذي يريده على ما كان كل منها عليه عند الموت كما أخرج تلك الأرزاق، لا فرق بين هذا وذاك غير أنكم لا تتأملون، فيا فوز من شكر ويا هلاك من كفر، فعوّدوا أنفسكم بالخيرات لعلها تنقاد كما قيل:
* ... هي النفس ما عودتها تتعود*
ولما كان لم يكن بعد الاستعطاف إلا الإنذار قال تعالى مهدداً للمكذبين: {أأمنتم} قرأ قنبل في الوصل بإبدال الهمزة بعد راء النشور واواً، وسهل الهمزة الثانية نافع وابن كثير وأبو عمرو وهشام بخلاف عنه، وحققها الباقون، وأدخل بينهما ألفاً قالون وأبو عمرو وهشام والباقون بغير إدخال، وقوله تعالى: {من في السماء} فيه وجوه:
أحدها: من ملكوته في السماء لأنها مسكن ملائكته وثم عرشه وكرسيه واللوح المحفوظ، ومنها ينزل قضاياه وكتبه وأوامره ونواهيه.
والثاني: أن ذلك على حذف مضاف، أي: أأمنتم خالق من في السماء.
والثالث: أن في بمعنى على، أي: على السماء، كقوله: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} (طه: 71) أي: على جذوع النخل وإنما احتاج القائل بهذين الوجهين إلى ذلك لأنه اعتقد أن من واقعة على الباري تعالى شأنه وهو الظاهر وثبت بالدليل القطعي أنه ليس بمتحيز لئلا يلزم التجسيم، ولا حاجة إلى ذلك، فإن من هنا المراد بها الملائكة سكان السماء وهم الذين يتولون الرحمة والنقمة.
والرابع: أنهم خوطبوا بذلك على اعتقادهم فإن القوم كانوا مجسمة مشبهة وأنه في السماء، وأن الرحمة والعذاب نازلان منه، وكانوا يدعونه من جهتها فقيل لهم على حسب اعتقادهم: {أأمنتم من في السماء} أي: من تزعمون أنه في السماء. قال الرازي: هذه الآية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها بإجماع المسلمين، لأنّ ذلك يقتضي إحاطة السماء به من جميع الجوانب فيكون أصغر منها والعرش أكبر من السماء بكثير فيكون حقيراً بالنسبة إلى العرش وهو باطل بالاتفاق، ولأنه تعالى قال: {قل لمن ما في السموات والأرض} (الأنعام: 12) فلو كان فيها لكان مالكاً لنفسه، فالمعنى: أما من في السماء عذابه، وإما إن ذلك بحسب ما كانت العرب تعتقده، وأما من في السماء سلطانه وملكه وقدرته كما قال تعالى: {وهو الله في السموات وفي الأرض} (الأنعام: 3) فإن الشيء الواحد لا يكون دفعة في مكانين، والغرض من ذكر السماء تفخيم سلطان الله سبحانه وتعظيم قدرته، والمراد الملك الموكل بالعذاب وهو جبريل عليه السلام.
وقوله تعالى: