بالاستجهال والاستخفاف. وقيل: قوله تعالى: {إن أنتم إلا في ضلال كبير} من كلام الملائكة للكفار حين أخبروا بالتكذيب.
{وقالوا} أي: الكفار زيادة في توبيخ أنفسهم {لو كنا} أي: بما لنا من الغريزة {نسمع} أي: كلام الرسل فنقبله جملة من غير بحث وتفتيش اعتماداً على ما لاح من صدقهم بالمعجزات {أو نعقل} أي: بما أدته إلينا حاسة السمع فنفكر في حكمه ومعانيه تفكر المستبصرين {ما كنا} أي: كونا دائماً {في أصحاب السعير} أي: في عداد من أعدت له النار التي هي في غاية الإيقاد.
تنبيه: في الآية أعظم فضيلة للعقل، روي عن أبي سعيد الخدري أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لكل شيء دعامة ودعامة المؤمن عقله فبقدر عقله تكون عبادته أما سمعتم قول الفجار: {لو كنا نسمع أو نعقل} » الآية
{فاعترفوا} أي: بالغوا في الاعتراف حيث لا ينفعهم الاعتراف {بذنبهم} أي: في دار الجزاء كما بالغوا في التكذيب في دار العمل، والذنب لم يجمع لأنه في الأصل مصدر والمراد به تكذيب الرسل {فسحقاً} أي: فبعداً لهم من رحمة الله تعالى وهو دعاء عليهم مستجاب {لأصحاب السعير} أي: الذين قضت عليهم أعمالهم بملازمتها، وقال سعيد بن جبير وأبو صالح: هو واد في جهنم يقال: له السحق، وقرأ الكسائي بضم الحاء والباقون بسكونها.
ولما ذكر أصحاب السعير أتبعهم ذكر أضدادهم بقوله تعالى: {إن الذين يخشون} أي: يخافون {ربهم} أي: المحسن إليهم خوفاّ أرق قلوبهم وأرق أعينهم بحيث لا يقر لهم قرار من توقعهم العقوبة كلما ازدادوا طاعة ازدادوا خشية {يؤتون ما آتو وقلوبهم وجلة} (المؤمنون: 60) . {بالغيب} أي: حال كونهم غائبين عن عذابه سبحانه، أو وعيده غائباً عنهم أو وهم غائبون عن أعين الناس فهم مع الناس يتكلمون وقلوبهم تتلظى بنيران الخوف وتتكلم بسيوف الهيبة فيتركون المعصية حيث لا يراهم أحد من الناس ولا يكون لهم هذا إلا برياضة عظيمة، فعلى العاقل أن يطوع نفسه لترجع مطمئنة بأن ترضى بالله رباً لتدخل في رق العبودية، وبالإسلام ديناً ليصير غريقاً فيها، فلا ينازع الملك في ردائه الكبرياء وإزاره العظمة وتاجه الجلال وحلته الجمال، ولا ينازعه فيما يدبره من الشرائع ويظهره من المعارف ويحكم به على عبيده من قضائه وقدره. {لهم مغفرة} أي: عظيمة تأتي على جميع ذنوبهم {وأجر} أي: من فضل الله تعالى {كبير} يكون لهم به من الإكرام ما ينسيهم ما قاسوه في الدنيا من شدائد الإيلام ويصغر في جنبه لذائذ الدنيا العظام.
{وأسروا} أي: أيها الخلائق {قولكم} أي: خيراً كان أو شراً {أو اجهروا به} فإنه يعلمه ويجازيكم به، اللفظ لفظ الأمر والمراد به الخير، يعني: إن أخفيتم كلامكم في أمر محمد صلى الله عليه وسلم أو غيره أو جهرتم به فسواء {إنه} أي: ربكم {عليم} أي: بالغ العلم {بذات الصدور} أي: بحقيقتها وكنهها وحالها وجبلتها وما يحدث عنها من الخير والشر وقال ابن عباس: «نزلت في المشركين كانوا ينالون من النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره جبريل عليه السلام فقال: بعضهم لبعض أسروا قولكم كي لا يسمع رب محمد» . فأسروا قولكم أو اجهروا به يعني: وأسروا قولكم في محمد صلى الله عليه وسلم وقال غيره: إنه خطاب عام لجميع الخلق في جميع الأعمال، والمراد أن قولكم وعملكم على أيّ سبيل وجد