أي: بمالنا من العظمة بواسطة ملكنا جبريل عليه السلام {فيه} ، أي: في جيب درعها. قال البقاعي: أو في فرجها الحقيقي، وعلى هذا فلا حاجة إلى التأويل {من روحنا} ، أي: من روح خلقناه بلا تواسط أصل وهو روح عيسى عليه السلام {وصدقت بكلمات ربها} ، أي: المحسن إليها واختلف في تلك الكلمات فقال: مقاتل يعني بالكلمات عيسى وأنه نبىّ وعيسى كلمة الله وقال البغوي: يعني الشرائع التي شرعها الله تعالى للعباد بكلماته المنزلة وقيل: هي قول جبريل عليه السلام لها {إنما أنا رسول ربك} (مريم: 19) الآية، وعلى كل قول استحقت أن تسمى لذلك صديقة، وقرأ: {وكتبه} أبو عمرو وحفص بضم الكاف والتاء جمعاً، والباقون بكسر الكاف وفتح التاء وبعدها ألف إفراداً والمراد منه الكثرة فالمراد به الجنس فيكون في معنى كل كتاب أنزله الله تعالى على ولدها أو غيره.
وقوله تعالى: {وكانت من القانتين} يجوز في {مَن} وجهان:
أحدهما: أنها لابتداء الغاية.
والثاني: أنها للتبعيض. وقد ذكرهما الزمخشري فقال: فمن للتبعيض، ويجوز أن تكون لابتداء الغاية أنها ولدت من القانتين لأنها من أعقاب هارون أخي موسى صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهما وعليها وعلى سائر الأنبياء وآلهم أجمعين.
قال الزمخشري: فإن قلت لم قيل: من القانتين على التذكير؟
قلت: لأن القنوت صفه تشمل من قنت من القبيلين فغلب ذكوره على إناثه. وقيل: أراد من القوم القانتين، ويجوز أن يرجع هذا إلى أهل بيتها فإنهم كانوا مطيعين لله، والقنوت: الطاعة، وقال عطاء: من المصلين بين المغرب والعشاء. وعن معاذ بن جبل: إنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لخديجة وهي تجود بنفسها: «إذا قدمت على ضرّاتك فأقرئيهنّ منى السلام مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم» وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كمل من نساء العالمين أربع مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون» وروى الشيخان عن أبي موسى الأشعري: «كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» وما قاله البيضاوي تبعاً للزمخشري من أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة التحريم آتاه الله توبة نصوحاً» حديث موضوع.
مكية
وتسمى: الواقية والمنجية، وتدعى في التوراة المانعة لأنها تقي وتنجي من عذاب القبر، وعن ابن شهاب أنه كان يسميها المجادلة لأنها تجادل عن صاحبها في القبر. وهي ثلاثون آية وثلاثمائة، وثلاثون كلمة، وألف وثلاثمائة حرف.
{بسم الله} الذي خضعت لكمال عظمته الملوك {الرحمن} الذي عمّ بنعمة الإيجاد كل من في الوجود {الرحيم} الذي خص أولياءه بالنعيم بدار الخلود.
{تبارك} ، أي: تكبر وتقدس وتعالى وتعاظم وثبت ثباتاً لا مثل له مع اليمن والبركة، وقيل: دام فهو الدائم الذي لا أول لوجوده ولا آخر لدوامه {الذي بيده} أي: بقدرته وتصرفه لا بقدرة غيره {الملك} ، أي: له الأمر والنهي