يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم {تبتغي} أي: تريد إرادة عظيمة من مكارم أخلاقك وحسن صحبتك {مرضاة أزواجك} أي: الأحوال والأمور والمواضع التي يرضين بها، وهن أولى بأن يبتغين رضاك، وكذا جميع الخلق لتتفرغ لما يوحى إليك من ربك لكن ذلك للزوجات آكد {والله} أي: الملك الأعلى {غفور رحيم} أي: محاء ستور لما يشق على خلص عباده مكرم لهم، فقد غفر لك هذا التحريم.
ثم علل وبين ذلك بقوله تعالى: {قد فرض الله} أي: قدر ذو الجلال والإكرام الذي لا شريك له ولا أمر لأحد معه، وعبر بالفرض حثاً على قبول الرخصة إشارة إلى أن ذلك لا يقدح في الورع، ولا يخل بحرمة اسم الله تعالى لأن أهل الهمم العوالي لا يجوزون النقلة من عزيمة إلى رخصة، بل من رخصة إلى عزيمة أو عزيمة إلى مثلها.
ولما كان التخفيف على أمته تعظيماً له صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {لكم} أيتها الأمة التي أنت رأسها {تحلة} أي: تحليل {أيمانكم} بالكفارة المذكورة في سورة المائدة، وقيل: قد شرع الله لكم الاستثناء في أيمانكم من قولك: حلل فلان في يمينه إذا استثنى بمعنى استثن في يمينك إذا أطلقتها بأن تقول: إن شاء الله متصلاً بحلفك، وتنويه قبل الفراغ منه.
واختلف أهل العلم في لفظ التحريم، فقال قوم: هو ليس بيمين، فإن قال لزوجته: أنت حرام أو حرّمتك فإن نوى به طلاقاً فهو طلاق، وإن نوى به ظهاراً فهو ظهار، وإن نوى تحريم ذاتها وأطلق فعليه كفارة يمين وإن قال لطعام: حرمته على نفسي فلا شيء عليه، وهذا قول ابن مسعود رضي الله عنه، وإليه ذهب الشافعي.
وروى الدارقطني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أتاه رجل فقال: إني جعلت امرأتي علي حراماً، فقال: كذبت ليست عليك بحرام وتلا عليه هذه الآية. وذهب جماعة إلى أنه يمين فإن قال ذلك لزوجته أو جاريته فلا تجب الكفارة ما لم يقربها، كما لو حلف لا يأكله فلا كفارة عليه ما لم يأكله، يروى ذلك عن أبي بكر وعائشة، وبه قال الأوزاعي وأبو حنيفة.
وعند أبي حنيفة إن نوى الطلاق بالحرام كان بائناً، وإن قال: كل حلال عليه حرام فعلى الطعام والشراب إذا لم ينو، وإلا فعلى ما نوى، نقله الزمخشري. وعن عمر: إذا نوى الطلاق فرجعي، وعن علي: ثلاث، وعن زيد واحدة بائنة.
وعن ابن عباس رصي الله عنهما قال: إذا حرم الرجل امرأته فهي يمين يكفرها، وقال: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة. قال مقاتل: فأعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة رقبة. قال زيد بن أسلم: وعاد إلى مارية، وقال الحسن: لم يكفر عليه السلام لأنه مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكفارة اليمين في هذه السورة إنما أمر بها الأمة. قال ابن عادل: والأول أصح، وأن المراد بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ثم الأمة تقتدي به في ذلك {والله} أي: والحال أن المختص بأوصاف الكمال {مولاكم} أي: يفعل معكم فعل القريب الصديق فهو سيدكم ومتولي أموركم {وهو} أي: وحده {العليم} أي: البالغ العلم بمصالحكم وغيرها إلى ما لا نهاية له. {الحكيم} أي: الذي يضع كل ما يصدر عنه لكم في أتقن محاله بحيث لا يقدر غيره أن يغيره ولا شيئاً منه.
والعامل في قوله تعالى: {وإذ} اذكر فهو مفعول به لا ظرف، والمعنى اذكر إذ {أسرّ النبي} أي: الذي شأنه أن يرفعه الله تعالى دائماً فإنه ما ينطق عن الهوى {إلى بعض أزواجه} وأبهمها لم يعينها تشريفاً له صلى الله عليه وسلم ولها وهي حفصة صيانة لهن