وأكد معنى الخلود بقوله تعالى: {أبداً} ليفهم الدوام بلا انقضاء. وقوله تعالى: {قد أحسن الله} أي: الملك الأعلى ذو الجلال والإكرام {له} أي: خاصة {رزقاً} أي: عظيماً عجيباً فيه تعجب وتعظم لما رزقوا من الثواب.
وقال القشيري: الحسن ما كان على حد الكفاية لا نقصان فيه يتعطل عن أموره بسببه، ولا زيادة تشغله عن الاستمتاع بما رزق لحرصه، كذلك أرزاق القلوب أحسنها أن يكون له من الأحوال ما يستقل بها من غير نقصان ولا زيادة لا يقدر على الاستمرار عليها.
ثم بين كمال قدرته بقوله تعالى: {الله} أي: الذي له جميع صفات الكمال التي القدرة الشاملة إحداها: {الذي خلق} أي: أوجد وحده من العدم بقدرته على وفق ما دبر بعلمه على هذا المنوال الغريب البديع {سبع سموات} أي: وأنتم تشهدون عظمة ذلك، وتشهدون أنه لا يقدر عليه إلا تام القدرة والعلم الكامل {ومن الأرض مثلهن} أي: سبعاً أما كون السموات سبعاً بعضها فوق بعض فلا خلاف فيه لحديث الإسراء وغيره.
وأما الأرضون فقال الجمهور: إنها سبع أرضين طباقاً بعضها فوق بعض، بين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والأرض، وفي كل أرض سكان من خلق الله. وقال الضحاك: إنها سبع أرضين ولكنها مطبقة بعضها على بعض من غير فتوق بخلاف السموات. قال القرطبي: والأول أصح لأن الأخبار دالة عليه كما روى البخاري وغيره روى أبو مروان عن أبيه أن كعباً حلف له بالله الذي فلق البحر لموسى أن صهيباً حدثه «أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها اللهم رب السموات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما أذرين، إنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر من فيها» وروى مسلم عن سعيد بن زيد قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من ظلم قيد شبر من أرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين» قال البقاعي: رأيت في التعدد حقيقة حديثاً صريحاً لكن لا أدري حاله، ذكره ابن برجان في اسمه تعالى الملك من شرحه الأسماء الحسنى، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون ما تحت هذه الأرض، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هواء أتدرون ما تحت ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أرض، أتدرون ما تحت ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم حتى عد سبع أرضين» ثم رأيته في الترمذي عن أبي رزين العقيلي ولفظه: «هل تدرون ما الذي تحتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إنها الأرض، ثم قال: أتدرون ما تحت ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إن تحتها أرضاً أخرى خمسمائة سنة حتى عد سبع أرضين، بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة» ثم رأيت في الفردوس عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما بين السماء إلى السماء خمسمائة عام وعرض كل سماء وثخانة كل سماء خمسمائة عام وما بين السماء السابعة وبين الكرسي والعرش مثل ذلك وما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام،
والأرضون وعرضهن وثخانتهن مثل ذلك» ا. هـ.
قال الماوردي: وعلى أنها سبع أرضين تختص دعوة الإسلام بأهل الأرض العليا، ولا تلزم من في غيرها من الأرضين، وإن كان فيها من يعقل من خلق مميز وفي مشاهدتهم السماء واستمدادهم الضوء منها قولان: أحدهما أنهم يشاهدون السماء من كل جانب من أرضهم، ويستمدون الضياء منها، قال