العامل، وإليه ذهب أبو البقاء كأنه قيل: أسكنوهن من وسعكم.

{ولا تضاروهن} أي: حال السكنى في المساكن ولا في غيره {لتضيقوا عليهن} حتى تلجؤهن إلى الخروج {وإن كن} أي: المطلقات {أولات حمل} أي: من الأزواج من طلاق بائن أو رجعي {فأنفقوا عليهن} وإن مضت الأشهر {حتى يضعن حملهن} فيخرجن من العدة، وهذا يدل على اختصاص استحقاق النفقة بالحامل من المعتدات البوائن والأحاديث تؤيده.

قال القرطبي: اختلف العلماء في المطلقة ثلاثاً على ثلاثة أقوال: فذهب مالك والشافعي أن لها السكنى ولا نفقة لها، ومذهب أبي حنيفة وأصحابه أن لها السكنى والنفقة، ومذهب أحمد وإسحاق وأبي ثور لا نفقة لها ولا سكنى، لحديث فاطمة بنت قيس قالت: «دخلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي أخو زوجي، فقلت: إن زوجي طلقني وإن هذا يزعم أن ليس لي سكنى ولا نفقة، قال: بل لك السكنى والنفقة، فقال: إن زوجها طلقها ثلاثاً فقال صلى الله عليه وسلم إنما السكنى والنفقة لمن له عليها رجعة» فلما قدمت الكوفة طلبني الأسود بن يزيد ليسألني عن ذلك فإن أصحاب عبد الله يقولون: إن لها السكنى والنفقة. وعن الشعبي قال: لقيني الأسود بن يزيد فقال: يا شعبي اتق الله وارجع عن حديث فاطمة بنت قيس، فإن عمر كان يجعل لها السكنى والنفقة، فقلت: لا أرجع عن شيء. حدثتني فاطمة بنت قيس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه لو كان لها سكنى لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم.

وأجيب عن ذلك: بما روت عائشة أنها قالت: كانت فاطمة في مكان وحش فخيف على ناحيتها، وقال سعيد بن المسيب: إنما نقلت فاطمة لطول لسانها على إحمائها، وقال قتادة وابن أبي ليلى: لا سكن إلا للرجعية لقوله تعالى: {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً} (الطلاق: 1)

وقوله تعالى: {أسكنوهن} راجع لما قبله وهي المطلقة الرجعية {فإن أرضعن لكم} أي: بعد انقضاء علقة النكاح {فآتوهن أجورهن} أي: على ذلك الإرضاع وللرجل أن يستأجر امرأته للرضاع كما يستأجر أجنبية، ولا يجوز عند أبي حنيفة وأصحابه الاستئجار إذا كان الولد منهن ما لم تبن، ويجوز عند الشافعي مطلقاً وقوله تعالى: {وائتمروا} خطاب للأزواج والزوجات، أي: ليأمر بعضكم بعضاً في الإرضاع والأجر فيه وغير ذلك، وليقبل بعضكم أمر بعض.

وقال الكسائي: ائتمروا تشاوروا، وتلا قوله تعالى: {إن الملأ يأتمرون بك} (القصص: 20)

وأنشد قول امرىء القيس:

*ويعدو على المرء ما يأتمر

وزادهم رغبة في ذلك بقوله تعالى: {بينكم} أي: إن هذا الخير لا يعدوكم، وأكد ذلك بقوله تعالى: {بمعروف} ونكره سبحانه تخفيفاً على الأمة بالرضى بالمستطاع، وهو يكون مع الأخلاق بالاتصاف، ومع النفس بالخلاف {وإن تعاسرتم} أي: طلب كل منكم ما يعسر على الآخر، كأن طلبت المرأة الأجرة وطلب الزوج إرضاعها مجاناً {فسترضع له} أي: الأب {أخرى} أي: مرضعة غير الأم ويغني الله تعالى عنها، وليس له أن يكرهها على ذلك، نعم إذا لم يقبل ثدي غيرها أو لم يوجد غيرها أجبرت على ذلك بالأجرة، وهذا الحكم لا يختص بالمطلقة بل المنكوحة كذلك.

واختلفوا فيمن يجب عليه رضاع الولد، فقال مالك: رضاع الولد على الزوجة مادامت الزوجية إلا لشرفها وموضعها فعلى الأب رضاعه حينئذٍ في ماله، وقال أبو حنيفة: لا يجب على الأم بحال، وقيل: يجب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015