فلم يعملوا به {أولئك} أي: البعداء البغضاء {أصحاب النار خالدين} أي: مقدرين الخلود {فيها وبئس المصير} هي، قال الرازي: فإن قيل: قال تعالى في حق المؤمنين {ومن يؤمن بالله} بلفظ المستقبل، وفي الكفار قال: {والذين كفروا} بلفظ الماضي.

فالجواب: أن تقدير الكلام: ومن يؤمن بالله من الذين كفروا وكذبوا بآياتنا يدخله جنات، ومن لم يؤمن منهم أولئك أصحاب النار.

فإن قيل: قال تعالى: {يؤمن} بلفظ الوحدان و {خالدين فيها} بلفظ الجمع. أجيب: بأن ذلك بحسب اللفظ، وهذا بحسب المعنى.

فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى: {وبئس المصير} بعد قوله تعالى: {خالدين فيها} وذلك بئس المصير؟ أجيب: بأن ذلك وإن كان في معناه فهو تصريح بما يؤكده كما في قوله: {أبداً} .

{ما أصاب} أحداً {من مصيبة} أيّ مصيبة كانت دينية أو دنيوية في نفس أو مال أو قول أو فعل تقتضي هماً، أو توجب عقاباً آجلاً أو عاجلاً {إلا بإذن الله} أي: بتقدير الملك الأعظم. وقال الفراء: يريد إلا بأمر الله. وقيل: إلا بعلم الله، وقيل: سبب نزول هذه الآية أن الكفار قالوا: لو كان ما عليه المسلمون حقاً لصانهم الله تعالى عن المصائب في الدنيا، فبين الله تعالى أن ما أصاب من مصيبة إلا بقضائه وقدره.

فإن قيل: بم يتصل قوله تعالى: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله} ؟ أجيب: بأنه يتعلق بقوله تعالى: {فآمنوا بالله ورسوله} .

{ومن يؤمن بالله} يصدق بأنه لا تصيبه مصيبة إلا بقضاء الله الملك الأعظم وتقديره وإذنه {يهد قلبه} قال ابن عباس رضي الله عنهما: هو أن يجعل في قلبه اليقين حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، أي: فيسلم لقضاء الله وقدره. وقال الكلبي: هو إذا ابتلي صبر، وإذا أنعم عليه شكر، وإذا ظلم غفر.

وقيل: يهد قلبه إلى نيل الثواب في الجنة، وقيل: يثبته على الإيمان. وقال أبو عثمان الحيري: من صح إيمانه يهد الله قلبه لاتباع السنة. وقيل: يهد قلبه عند المصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، قاله ابن جبير. {والله} أي: الملك الذي لا نظير له {بكل شيء} مطلقاً من غير استثناء {عليم} فلا يخفى عليه تسليم من انقاد لأمره، فإذا تحقق من هدى قلبه ذلك زاح عنه كل اعتقاد باطل من كفر أو بدعة أو صفة خبيثة.

{وأطيعوا الله} أي: الملك الأعلى الذي له الأمر كله {وأطيعوا الرسول} أي: هونوا على أنفسكم المصائب واشتغلوا بطاعة الله تعالى، واعملوا بكتابه وأطيعوا الرسول في العمل بسنته {فإن توليتم} أي: عن الطاعة {فإنما على رسولنا} أضافه إليه على وجه الكمال تعظيماً له وتهديداً لمن يتولى عنه {البلاغ المبين} أي: الظاهر في نفسه المظهر لكل أحد أنه أوضح له غاية الإيضاح، ولم يدع لبساً، وليس إليه خلق الهداية في القلوب.

{الله} أي: المحيط بجميع صفات الكمال {لا إله إلا هو} فهو القادر على خلق الهداية في القلوب والإقبال بها لا يقدر على ذلك غيره {وعلى الله} أي: الذي له الأمر لا على غيره {فليتوكل المؤمنون} أي: لأن إيمانهم بأن الكل منه يقتضي ذلك. وقال الزمخشري: هذا بعث لرسول الله صلى الله عليه وسلم على التوكل عليه، والتقوى به في أمره حتى ينصره على من كذبه وتولى عنه.

واختلف في سبب نزول قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم} أي: وإن أظهرن غاية المودة {وأولادكم} أي: وإن أظهروا غاية الشفقة {عدواً لكم} فقال ابن عباس: نزلت بالمدينة في عوف بن مالك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015