أي: بما لنا من العظمة؛ لأنه نور يهتدى به من ظلمة الضلالة كما يهتدى بالنور في الظلمات.
فإن قيل: هلا قيل: ونوره، بالإضافة كما قال: ورسوله؟ أجيب بأن الألف واللام في النور بمعنى الإضافة فكأنه قال: ورسوله ونوره {والله} أي: المحيط علماً وقدرة {بما تعملون خبير} أي: بالغ العلم بما تسرون وما تعلنون فراقبوه في السر والعلانية.
وقوله تعالى: {يوم يجمعكم} منصوب بقوله تعالى: {لتنبئون} عند النحاس و {بخبير} عند الحوفي لما فيه من معنى الوعيد كأنه قال: والله يعاقبكم يوم يجمعكم، وباذكر مضمراً عند الزمخشري فيكون مفعولاً به، أو بما دلّ عليه الكلام، أي: تتفاوتون يوم يجمعكم؛ قاله أبو البقاء {ليوم الجمع} أي: لأجل ما يقع في ذلك اليوم، وهو يوم القيامة الذي يجمع الله تعالى فيه الأولين والآخرين من الإنس والجن وجميع أهل السماء والأرض.
وقيل: يوم يجمع الله بين كل عبد وعمله، وقيل: يجمع فيه بين الظالم والمظلوم، وقيل: يجمع فيه بين كل نبي وأمّته، وقيل: يجمع فيه ثواب أهل الطاعة وعقاب أهل المعاصي، بل هو جامع لجميع ما ذكر {ذلك} أي: اليوم العظيم {يوم التغابن} والتغابن مستعار من تغابن القوم في التجارة، وهو أن يغبن بعضهم بعضاً لنزول السعداء منازل الأشقياء التي كانوا ينزلونها لو كانوا سعداء، ونزول الأشقياء منازل السعداء التي كانوا ينزلونها لو كانوا أشقياء، وفيه تهكم بالأشقياء؛ لأن نزولهم ليس بغبن. ولهذا قيل: التفاعل هنا من واحد لا من اثنين، وفي الحديث «ما من عبد أدخل الجنة إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكراً، وما من عبد يدخل النار إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرةً» وهو معنى {ذلك يوم التغابن} وقد يتغابن الناس في غير ذلك اليوم استعظاماً له وإن تغابنه هو التغابن في الحقيقة لا التغابن في أمور الدنيا وإن جلت وعظمت.
وذكر في بعض التفاسير أن التغابن هو أن يكتسب الرجل مالاً من غير وجهه ليرثه غيره فيعمل فيه بطاعة الله فيدخل الأول النار والثاني الجنة بذلك المال، فذلك هو الغبن البين، والمغابن ما انثنى من البدن نحو الإبطين والفخذين، والمغبون من غبن في أهله ومنازله في الجنة، ويظهر يومئذ غبن كل كافر بتركه الإيمان، وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان وبصنيعه في الآثام.
قال الزجاج: ويغبن من ارتفعت منزلته في الجنة بالنسبة إلى من هو أعلى منزلة منه. فإن قيل: فأي معاملة وقعت بينهما حتى يقع الغبن فيها؟ أجيب: بأنه تمثيل للغبن في الشراء والبيع كقوله تعالى: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم} (البقرة: 16)
فلما ذكر أن الكفار اشتروا الضلالة بالهدى وما ربحوا في تجارتهم بل خسروا، ذكر أيضاً أنهم غبنوا وذلك أن أهل الجنة اشتروا الآخرة بترك الدنيا، واشترى أهل النار الدنيا بترك الآخرة، وهذا نوع مبادلة اتساعاً ومجازاً.
وقد فرق الله تعالى الخلق فريقين فريقاً للجنة وفريقاً للنار، وقال الحسن وقتادة: بلغنا أن التغابن على ثلاثة أصناف: رجل علم علماً فضيعه ولم يعمل به فشقي به، ورجل علم علماً وعمل به فنجا به، ورجل اكتسب مالاً من وجوه يسأل عنها وشح عليه وفرط في طاعة ربه بسببه ولم يعمل فيه خيراً، وتركه لوارث لا حساب عليه، فعمل ذلك الوارث فيه بطاعة ربه، ورجل كان له عبد فعمل ذلك العبد بطاعة ربه فسعد، وعمل السيد بمعصية ربه فشقي. وروى القرطبي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تعالى يقيم الرجل والمرأة يوم القيامة