فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها، حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلاً» وفي رواية «أنا فيهم» فأنزل الله تعالى: {وإذا رأوا تجارة} أي: حمولاً هي موضع للتجارة {أو لهواً} أي: ما يلهي عن كل نافع {انفضوا} أي: نفروا متفرقين من العجلة {إليها} أي: التجارة لأنها مطلوبهم دون اللهو، وأيضاً العطف بأو فإفراد الضمير أولى. وقال الزمخشري: تقديره: إذا رأوا تجارة انفضوا إليها أو لهواً انفضوا إليه، فحذف أحدهما لدلالة المذكور عليه. وذكر الكلبي وغيره: أن الذي قدم بها دحية بن خليفة الكلبي من الشام عن مجاعة وغلاء سعر، وكان معه جميع ما تحتاج إليه الناس من بر ودقيق وغيره، فنزل عند أحجار الزيت وضرب الطبل ليؤذن الناس بقدومه، فخرج الناس إلا اثنى عشر رجلاً، وقيل: أحد عشر رجلالاً وقال ابن عباس في رواية الكلبي: لم يبق في المسجد إلا ثمانية رهط. وقال الحسن وأبو مالك: أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر فقدم دحية بن خليفة بتجارة زيت من الشام، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فلما رأوه قاموا إليه بالبقيع خشوا أن يسبقوا إليه، فلما لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا رهط منهم أبو بكر وعمر فنزلت هذه الآية، فقال صلى الله عليه وسلم «والذي نفس محمد بيده لو
تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد لسال بكم الوادي ناراً» .
وقال مقاتل بن حيان، ومقاتل بن سليمان: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ قدم دحية بن خليفة الكلبي من الشام بالتجارة وكان إذا قدم المدينة لم يبق بالمدينة عاتق إلا أتته، وكان يقدم بكل ما يحتاج إليه من دقيق وغيره، فينزل عند أحجار الزيت، وكانت في سوق المدينة ثم يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه فخرج إليه الناس ليتبايعوا منه، فقدم ذات جمعة وكان ذلك قبل أن يسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب فخرج إليه الناس، ولم يبق في المسجد إلا اثنا عشر رجلاً وامرأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لولا هؤلاء لرميت عليهم الحجارة من السماء» وأنزل الله تعالى هذه الآية والمراد باللهو الطبل.
وقيل: كانت العير إذا قدمت المدينة استقبلوا بالطبل والتصفيق. وقال علقمة: سئل عبد الله أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً أو قاعداً فقال: أما تقرأ {وتركوك قائماً} وعن جابر بن عبد الله قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة خطبتين قائماً يفصل بينهما بجلوس» وذكر أبو داود في مراسيله السبب الذي ترخصوا لأنفسهم في ترك سماع الخطبة، وقد كانوا خليقاً لفضلهم أن لا يفعلوا، فقال: حدثنا محمد بن خالد، قال: حدثنا الوليد، قال: أخبرني أبو معاذ بكير بن معروف أنه سمع مقاتل بن حبان قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة قبل الخطبة كالعيدين، حتى كان يوم جمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب وقد صلى الجمعة فدخل رجل يقال له: دحية بن خليفة قدم بتجارة، وكان دحية إذا قدم تلقاه أهله بالدفوف فخرج الناس فلم يظنوا إلا أنه ليس في ترك الخطبة شيء فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة الخطبة وأخر الصلاة، وكان لا يخرج أحد لرعاف أو حدث بعد النهي حتى يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إليه بأصبعه التي تلي الإبهام، فيأذن له النبي صلى الله عليه وسلم ثم يشير إليه بيده، فكان في المنافقين من تثقل عليه الخطبة والجلوس في المسجد، فكان