لأن البيع لم يحرم لعينه، ولكن لما فيه من الذهول عن الواجب فهو كالصلاة في الأرض المغصوبة، والثوب المغصوب، والوضوء بماء مغصوب، وعن بعض الناس أنه فاسد. وزاد في الحث على ذلك بقوله تعالى: {إن كنتم} أي: بما هو لكم كالجبلة {تعلمون} أي: يتجدد لكم علم في يوم من الأيام فأنتم ترون ذلك خيراً، فإذا علمتموه خيراً أقبلتم عليه فكان ذلك خيراً لكم وصلاة الجمعة فرض عين تجب على كل من جمع الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والذكورة، والإقامة، إذا لم يكن له عذراً مما ذكره الفقهاء، ومن تركها استحق الوعيد. قال صلى الله عليه وسلم: «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله تعالى على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين» وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاوناً بها طبع الله تعالى على قلبه» قال ابن عادل: ونقل عن بعض الشافعية أن الجمعة فرض على الكفاية، أما من به عذر يعذر به في ترك الجماعة مما يتصور هنا فلا تجب عليه، وتجب على أعمى وجد قائداً وشيخ هرم وزمن وجدا مركباً لا يشق ركوبه عليهما.
واختلف أهل العلم في موضوع إقامة الجمعة، وفي العدد الذي تنعقد به الجمعة، وفي المسافة التي يجب أن يؤتى منها، فذهب قوم إلى أن كل قرية اجتمع فيها أربعون رجلاً بالصفة المتقدمة تجب عليهم إقامة الجمعة فيها، وهو قول عبد الله بن عمر، وعمر بن عبد العزيز، وبه قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق قالوا: لا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين رجلاً على هذه الصفة، وشرط عمر بن عبد العزيز مع الأربعين أن يكون فيهم وال.
وعند أبي حنيفة تنعقد بأربعة، والوالي شرط، ولا تقام عنده إلا في مصر جامع. وقال الأوزاعي وأبو يوسف: تنعقد بثلاثة إن كان فيهم وال. وقال الحسن، وأبو ثور: تنعقد باثنين كسائر الصلوات، وقال شعبة: تنعقد باثني عشر رجلاً ولا تجب الجمعة على أهل البوادي إلا إذا سمعوا النداء من موضع تقام فيه الجمعة، فيلزمهم الحضور، وإن لم يسمعوا فلا جمعة عليهم، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق.
والشرط أن يبلغهم نداء مؤذن جهوري الصوت في وقت تكون الأصوات هادئة، والرياح ساكنة فكل قرية تكون من موضع الجمعة في القرب على هذا القدر يجب على أهلها حضور الجمعة. وقال سعيد بن المسيب: تجب الجمعة على من آواه المبيت. قال الزهري: تجب على من كان على ستة أميال وقال ربيعة: على أربعة أميال، وقال مالك والليث: على ثلاثة أميال، وقال أبو حنيفة: لا جمعة على أهل البوادي سواء كانت القرية قريبة أم بعيدة.
دليل الشافعي ومن وافقه ما روى البخاري عن ابن عباس: «أن أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد عبد القيس بجؤانا من البحرين» ، ولأبي داود نحوه، وفيه بجؤانا قرية من قرى البحرين» .
تنبيه: فضل يوم الجمعة مشهور وأحاديثه كثيرة مشهورة تقدم بعضها، ومنها: أن الله يعتق في كل جمعة ستمائة عتيق من النار» ، وعن كعب: إن الله تعالى فضل من البلدان مكة، ومن الشهور رمضان، ومن الأيام الجمعة. وقال صلى الله عليه وسلم «من مات يوم الجمعة كتب الله له أجر شهيد، ووقي فتنة القبر» وفي الحديث «إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المساجد بأيديهم صحف من فضة، وأقلام من ذهب يكتبون الأول فالأول على مراتبهم» قال