كتاباً لأهل مكة نسخته: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة، إعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم، وقد توجه إليكم بجيش كالليل وأقسم بالله لو لم يسر إليكم إلا وحده لأظفره الله تعالى بكم، وأنجز له موعده فيكم فالله وليه وناصره فخرجت سارة، ونزل جبريل عليه السلام بالخبر فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً، وعماراً، وعمر، وطلحة، والزبير، والمقداد، وأبا مرثد، وكانوا فرساناً، وقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإنّ بها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى أهل مكة فخذوه منها وخلوها، فإن أبت فاضربوا عنقها. فادركوها فجحدت وحلفت ما معها كتاب ففتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتاباً فهموا بالرجوع، فقال عليّ: والله ما كذبنا، ولا كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلّ سيفه، وقال: أخرجي الكتاب، وإلا والله لأجردنك ولأضربنّ عنقك، فلما رأت الجدّ أخرجته من عقاص شعرها فخلوا سبيلها ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن جميع الناس يوم الفتح إلا أربعة:

هي أحدهم فاستحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطباً، وقال له: هل تعرف هذا الكتاب، قال: نعم، قال: فما حملك عليه، فقال: يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت، ولا غششتك منذ نصحتك، ولا أحببتهم منذ فارقتهم، ولكني كنت أمرأ ملصقاً في قريش، وروى عزيزاً فيهم أي: غريباً ولم أكن من أنفسها، وكل من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون أهاليهم وأموالهم غيري، فخشيت على أهلي فأردت أن أتخذ عندهم يداً، وقد علمت أنّ الله تعالى ينزل عليهم بأسه، وإنّ كتابي لا يغني عنهم شيئاً فصدّقه وقبل عذره، فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال: «وما يدريك يا عمر لعلّ الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، ففاضت عينا عمر» ، وقال: الله ورسوله أعلم. وإضافة العدوّ إلى الله تعالى تغليظاً في خروجهم، وهذه السورة أصل في النهي عن موالاة الكفار، وتقدّم نظيره في قوله تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء} (آل عمران: 28)

وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم} (آل عمران: 118)

روي أنّ حاطباً لما سمع {يا أيها الذين آمنوا} غشي عليه من الفرح بخطاب الإيمان.

ثم إنه تعالى استأنف بيان هذا الاتخاذ بقوله تعالى مشيراً إلى غاية الإسراع والمبادرة إلى ذلك بالتعبير بقوله تعالى: {تلقون} أي: جميع ما هو في حوزتكم مما لا تطمعون فيه إلقاء الشيء الثقيل من علو {إليهم} على بعدهم منكم حساً، ومعنى {بالمودّة} أي: بسببها قال القرطبي: تلقون إليهم بالمودّة، يعني: بالظاهر لأنّ قلب حاطب كان سليماً بدليل أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أمّا صاحبكم فقد صدق» هذا نص في إسلامه وسلامة فؤاده وخلوص اعتقاده. وقرأ حمزة بضم الهاء، والباقون بكسرها. وقوله تعالى: {وقد كفروا} أي: غطوا جميع مالكم من الأدلة {بما} أي: بسبب ما {جاءكم من الحق} أي: الأمر الثابت الكامل في الثبات الذي لا شيء أعظم ثباتاً منه فيه أوجه:

أحدها: الاستئناف.

ثانيها: الحال من فاعل تتخذوا.

ثالثها: الحال من فاعل تلقون، أي: لا تتولوهم ولا توادّوهم، وهذه حالهم. وقوله تعالى: {يخرجون الرسول} يجوز أن يكون مستأنفاً، وأن يكون تفسير الكفر هم فلا محل له على هذين، وأن يكون حالاً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015