لأنها دار الهجرة ومكان ظهور الإيمان، قال: هذين الوجهين الزمخشري، وليس فيه إلا قيام أل مقام المضاف إليه وهو محل خلاف، وهو أن أل هل تقوم مقام الضمير المضاف إليه فالكوفيون يجوّزونه كقوله تعالى: {فإنّ الجنة هي المأوى} (النازعات: 41)
أي: مأواه، والبصريون يمنعونه ويقولون الضمير محذوف، أي: المأوى له. وأما كونها عوضاً عن المضاف إليه، فقال ابن عادل: لا نعرف فيه خلافاً.
سادسها: أنه منصوب على المفعول معه، أي: مع الإيمان. قال وهب: سمعت مالكاً يذكر فضل المدينة على غيرها من الآفاق فقال: إنّ المدينة تبوّئت بالإيمان والهجرة، وإنّ غيرها من القرى افتتحت بالسيف، ثم قرأ {والذين تبوّؤا الدار والإيمان من قبلهم} أي: وهم الأنصار {يحبون} أي: على سبيل التجديد والاستمرار {من هاجر} وزادهم محبة فيهم بقوله تعالى: {إليهم} لأنّ القصد إلى الإنسان يوجب حقه عليه، لأنه لولا كمال محبته له ما خصه بالقصد إليه {ولا يجدون في صدورهم} أي: التي هي مساكن قلوبهم فضلاً عن أن تنطق ألسنتهم {حاجة} قال الحسن: حسداً وحزازة وغيظاً {مما أوتوا} أي: آتى النبيّ المهاجرين من أموال بني النضير وغيرهم، وأطلق لفظ الحاجة على الحسد والغيظ والحزازة لأنّ هذه الأشياء لا تنفك عن الحاجة، فأطلق اسم اللازم على الملزوم على سبيل الكناية.
فعلى هذا يكون الضمير الأوّل للجائين بعد المهاجرين، وفي أوتوا للمهاجرين.
وقيل: إنّ الحاجة هنا على بابها من الاحتياج إلا أنها واقعة موقع المحتاج إليه، والمعنى: ولا يجدون طلب محتاج إليه مما أوتي المهاجرون من الفيء وغيره، والمحتاج إليه يسمى حاجة، تقول: خذ منه حاجته، وأعطاه من ماله حاجته قاله الزمخشري: والضميران على ما تقدم، وقال أبو البقاء: مس حاجة، أي: أنه حذف المضاف للعلم به، وعلى هذا فالضميران للذين تبوؤا الدار والإيمان. قال القرطبي: كان المهاجرون في دور الأنصار فلما غنم صلى الله عليه وسلم أموال بني النضير دعا الأنصال وشكرهم فيما صنعوا مع المهاجرين في إنزالهم إياهم منازلهم وإشراكهم في الأموال، ثم قال صلى الله عليه وسلم «إن أحببتم قسمت ما أفاء الله عليّ من بني النضير بينكم وبينهم وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم وأموالكم، وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دياركم» فقال سعد بن عبادة، وسعد ابن معاذ: بل تقسمه بين المهاجرين ويكونون في دورنا كما كانوا، ونادت الأنصار رضينا وسلمنا يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهمّ ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين، ولم يعط الأنصار إلا ثلاثة نفر محتاجين، أبا دجانة سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف، والحارث بن الصمة.
ولما أخبر تعالى عن تخليهم عن الرذائل أتبعه الأخبار بتحليهم بالفضائل فقال عز من قائل: {ويؤثرون على أنفسهم} فيبذلون لغيرهم كائناً من كان ما في أيديهم، فإنّ الإيثار تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية رغبة في الحظوظ الأخروية، وذلك ينشأ عن قوّة اليقين، وتوكيد المحبة، والصبر على المشقة، وذكر النفس دليل على أنهم في غاية النزاهة عن الرذائل فإنّ النفس إذا طهرت كان القلب أطهر وأكد ذلك بقوله تعالى: {ولو كان} أي كونا هو في غاية المكنة {بهم} أي خاصة لا بالمؤثر {خصاصة} أي: فقر وحاجة إلى ما يؤثرون به.
روي عن أبي هريرة أن رجلاً بات به ضيف،