إنّ أوساً تزوجني وأنا شابة مرغوب فيّ فلما علا سنى ونثرت بطني أي: كثر ولدي جعلني عليه كأمّه فقال لها النبيّ صلى الله عليه وسلم حرمت عليه فقالت: والله ما ذكر طلاقاً وإنه أبو ولدي وأحب الناس إليّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمت عليه فقالت أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي فقد طالت صحبتي ونفضت له بطني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما آراك إلا حرمت عليه
أو أومر في شأنك بشيء فجعلت تراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمت عليه، هتفت وقالت: أشكو إلى الله فاقتي وشدّة حالي وأنّ لي صبية صغاراً إن ضممتهم إليّ جاعوا وإن ضممتهم إليه ضاعوا وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول: اللهمّ أني أشكو إليك، فأنزل على لسان نبيك وكان هذا أوّل ظهار في الإسلام، فأنزل الله تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} الآية فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زوجها وقال: ما حملك على ما صنعت قال: الشيطان فهل من رخصة؟ فقال: نعم وقرأ عليه الأربع آيات فقال له هل تستطيع العتق فقال لا والله فقال هل تستطيع الصوم؟ فقال لا والله إني إن أخطأني أن آكل في اليوم مرّة أو مرتين لكل صبري ولظننت أني أموت قال: فأطعم ستين مسكيناً، قال: ما أجد إلا أن تعينني منك بعون وصلة فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعاً، وأخرج أوس من عنده مثله فتصدق به على ستين مسكيناً» .
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال لها مريه أن يعتق رقبة فقالت: أيّ رقبة والله لا يجد رقبة وما له خادم غيري، فقال: مريه أن يصوم شهرين، فقالت: والله ما يقدر على ذلك إنه يشرب في اليوم كذا كذا مرّة، فقال: مريه فليطعم ستين مسكيناً، فقالت: أنّى له ذلك» {وتشتكي} أي: تتعمد بتلك المجادلة الشكوى منتهية {إلى الله} أي: سؤال الملك الأعظم الرحمة الذي أحاط بكل شيء علماً.
فإن قيل: ما معنى قد في قوله تعالى: {قد سمع} أجيب: بأنّ معناها التوقع لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمجادلة كانا يتوقعان أن يسمع الله تعالى تجادلتها وشكواها وينزل في ذلك ما يفرّج عنها لصدقها في شكواها وقطع رجائها في كشف ما بها من غير الله إنّ الله تعالى يكشف كربتها {والله} أي: والحال أنّ الذي وسعت رحمته كلّ شيء، لأنّ له الأمر كله {يسمع تحاوركما} أي: تراجعكما الكلام وهو على تغليب الخطاب {إن الله} أي: الذي أحاط بجميع صفات الكمال {سميع} أي: بالغ السمع لكل مسموع {بصير} أي: بالغ البصر لكل ما يبصر فهما صفتان كالعلم والقدرة والحياة والإرادة وهما من صفات الذات لم يزل الخالق سبحانه متصفاً بهما
ولما أتم تعالى الخبر عن إحاطة العلم استأنف الإخبار عن حكم الأمر المجادل بسببه فقال تعالى: {الذين يظهرون} أي: يوجدون الظهار في أي زمان كان وقوله تعالى: {منكم} أي: أيها العرب المسلمون توبيخ لهم وتهجين لعادتهم لأنّ الظهار كان خاصاً بالعرب دون سائر الأمم فنبه تعالى على أنّ اللائق بهم أن يكونوا أبعد الناس عن هذا الكلام لأنّ الكذب لم يزل مستهجناً عندهم في الجاهلية ثم زاده الإسلام استهجاناً {من نسائهم} أي: يحرمون نساءهم على أنفسهم تحريم الله تعالى عليهم ظهور أمّهاتهم.
والظهار لغة: مأخوذ من الظهر لأنّ صورته الأصلية أن يقول لزوجته: أنت عليّ كظهر أمي، وخصوا الظهر دون البطن