الحكيم والباطن العليم؛ وقال السدي: هو الأول ببره إذ عرفك توحيده والآخر بجوده إذ عرفك التوبة على ما جنيت والظاهر بتوفيقه إذ وفقك للسجود له والباطن بستره إذ عصيته فستر عليك؛ وقال الجنيد: هو الأول بشرح القلوب والآخر بغفران الذنوب والظاهر بكشف الكروب والباطن بعلم الغيوب؛ وسأل عمر كعباً عن هذه الآية فقال: معناها أن علمه بالأوّل كعلمه بالآخر وعلمه بالظاهر كعلمه بالباطن {وهو بكل شيء عليم} أي: لكون الأشياء عنده على حد سواء والبطون والظهور إنما هو بالنسبة إلى الخلق، وأما هو سبحانه وتعالى فلا باطن من الخلق عنده بل هم في غاية الظهور لديه لأنه الذي أوجدهم.
فإن قيل: ما معنى هذه الواوات؟ أجيب: بأنّ الواو الأولى: معناها الدلالة على أنه الجامع بين الصفتين الأولية والآخرية؛ والثالثة: أنه الجامع بين الظهور والخفاء، وأمّا الوسطى: فعلى أنه الجامع بين الصفتين الأوليين ومجموع الصفتين الآخريين فهو المستمر الوجود في جميع الأوقات الماضية والحاضرة والآتية وهي في جميعها ظاهر وباطن جامع للظهور بالأدلة والخفاء فلا يدرك بالحواس؛ قال الزمخشري: وفي هذا حجة على من جوز إدراكه في الآخرة بالحاسة وهذا على رأيه الفاسد وهو على رأي المعتزلة المنكرين رؤية الله تعالى في الآخرة؛
وأما أهل السنة فإنهم يثبتون الرؤية للأحاديث الدالة على ذلك من غير تشبيه ولا تكييف تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً؛ وعن سهل قال: كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن ثم يقول: اللهمّ ربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم ربنا ورب كل شيء، فالق الحبّ والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شرّ كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهمّ أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من فضلك. وكان يروى ذلك عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم
{هو} أي: وحده {الذي خلق السموات} وجمعها لعلم العرب بتعددها {والأرض} أي: الجنس الشامل للكل وأفردها لعدم توصلهم إلى العلم بتعدّدها وقال تعالى: {في ستة أيام} أي: من أيام الدنيا أولها الأحد وآخرها الجمعة سناً للتأني في الأمور وتقدير للأيام التي أوترها سابعها الذي خلق فيه الإنسان الذي دل يوم خلقه باسمه الجمعة على أنه المقصود بالذات وبأنه السابع نهاية المخلوقات وقوله تعالى: {ثم استوى على العرش} أي: السرير كناية عن انفراده بالتدبير وإحاطة قدرته وعلمه، كما يقال في ملوكنا جلس فلان على سرير الملك بمعنى: أنه انفرد بالتدبير لا يكون هناك سرير فضلاً عن جلوس وأتى بأداة التراخي تنبيهاً على عظمته {يعلم ما يلج} أي: يدخل دخولاً يغيب فيه {في الأرض} أي: من النبات وغيره من أجزاء الأموات وغيرها وإن كان ذلك في غاية البعد فإنّ الأماكن كلها بالنسبة إليه تعالى على حد سواء في القرب والبعد {وما يخرج منها} كذلك.
تنبيه: في التعبير بالمضارع دلالة على ما أودع في الخافقين من القوى فصارا بحيث يتجدد منهما ذلك بخلقه تجدّد مستمرّاً إلى حين خرابهما {وما ينزل من السماء} من الوحي والأمطار والحرّ والبرد وغيرها من الأعيان والمنافع التي يوجدها سبحانه وتعالى