ليعلم وقال بعضهم أنها حرف نفي وإنّ المنفي بها محذوف وهو كلام الكافر الجاهل والتقدير فلا حجة بما يقوله الكافر؛ ثم ابتدأ قسماً بما ذكر وضعف هذا بأنّ فيه حذف اسم لا وخبرها قال أبو حيان: ولا ينبغي فإنّ القائل بذلك مثل سعيد بن جبير تلميذ حبر القرآن وهو عبد الله بن عباس، ويبعد أن يقول سعيد إلا بتوقيف، وقال بعضهم: إنها لام الابتداء والأصل: فلأقسم فأشبعت الفتحة فتولد منها ألف كقول بعضهم: أعوذ بالله من العقراب قال الزمخشري: ولا يصح أن تكون اللام لام القسم لأمرين: أحدهما: أن حقها أن تقرن بها النون المؤكدة والإخلال بها ضعيف قبيح، والثاني: أن لأفعلنّ في جواب القسم للاستقبال وفعل القسم يجب أن يكون للحال.
واختلف أيضاً في معنى قوله عز وجلّ: {بمواقع النجوم} فقال أكثر المفسرين: بمساقطها لغروبها، قال الزمخشري: ولعل الله تعالى في آخر الليل إذا انحطت النجوم إلى المغرب أفعالاً عظيمة مخصوصة وللملائكة عبادات موصوفة، أو لأنه وقت قيام المجتهدين والمبتهلين إليه من عباده الصالحين ونزول الرحمة والرضوان عليهم، فلذلك أقسم بمواقعها واستعظم ذلك بقوله تعالى: {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} وقال عطاء بن رباح: أراد بمواقعها منازلها، قال الزمخشري: وله في ذلك من الدليل على عظيم القدرة والحكمة ما لا يحيط به الوصف، وقال الحسن: مواقعها انكدارها وانتثارها يوم القيامة؛ وقال ابن عباس والسدي: المراد نجوم القرآن أي أوقات نزولها؛ وقال الضحاك: هي الأنواء التي كانت الجاهلية تقول إذا مطروا: مطرنا بنوء كذا، وقال القشيري: هو قسم ولله أن يقسم بما يريد وليس لنا أن نقسم بغير الله تعالى وصفاته القديمة فإن قيل لو تعلمون جوابه ماذا؟ أجيب: بأنه مقدّر تقديره لعظمتموه أي: لو كنتم من ذوي العلم لعلمتم عظم هذا القسم ولكنكم ما علمتموه فعلم أنكم لا تعلمون، وقرأ بموقع حمزة والكسائي بسكون الواو ولا ألف بعدها والباقون بفتح الواو ألف بعدها.
وقوله تعالى: {إنه} أي: القرآن الذي أفهمته النجوم بعموم إفهامها {لقرآن} أي: جامع سهل ذو أنواع جليلة {كريم} أي: بالغ الكرم منزه عن كل شائبة لؤم ودناءة هو المقسم عليه، وفي الكلام اعتراضان أحدهما: الاعتراض بقوله تعالى: {وإنه لقسم} بين القسم والمقسم عليه، والثاني الاعتراض بقوله تعالى: {لو تعلمون} بين الصفة الموصوف.
تنبيه: من كرم هذا القرآن العظيم كونه من الملك الأعلى إلى خير الخلق بسفارة روح القدس، مشتملاً على أصول العلوم المهمة في إصلاح المعاش والمعاد وبلسان العرب الذين اتفقت علماء الفرق على أنّ لسانهم أفصح الألسن، وعلى وجه أعجز العرب كافة وبقية الخلق أجمعين واختلف في معنى قوله تعالى: {في كتاب} أي: مكتوب {مكنون} أي: مصون فالذي عليه الأكثر أنه المصحف سمي قرآنا لقرب الجوار على الاتساع ولأنّ النبي صلى الله عليه وسلم «نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدوّ» . أراد به المصحف وقوله تعالى: {لا يمسه} خبر بمعنى النهي ولو كان باقياً على خبرتيه لزم منه الخلف لأنّ غير المطهر يمسه وخبر الله تعالى لا يقع فيه خلف لأنّ المراد بقوله تعالى: {إلا المطهرون} لا المحدثون وهو قول عطاء وطاوس وسالم والقاسم وأكثر أهل العلم وبه قال مالك والشافعي رضى الله عنهما؛ وقال