على الصغيرة ويدل على ذلك قولهم: بلغ الحنث أي: بلغ مبلغاً تلحقه فيه الكبيرة، ووصفه بالعظيم يخرج الصغائر فإنها لا توصف بذلك؛ قال الرازي: والحكمة في ذكره سبب عذابهم ولم يذكر في أصحاب اليمين سبب ثوابهم فلم يقل إنهم كانوا قبل ذلك شاكرين مذعنين وذلك تنبيه على أنّ الثواب منه فضل والعقاب منه عدل، والفضل سواء ذكر سببه أو لم يذكر يتوهم بالتفضل نقص وظلم، وأما العدل إن لم يعلم سبب العقاب يظن أنّ هناك ظلماً، ويدل على ذلك أنه تعالى لم يقل في حق أصحاب اليمين {جزاء بما كانوا يعملون} كما قال في السابقين لأنّ أصحاب اليمين نجوا بالفضل العظيم لا بالعمل بخلاف من كثرت حسناته يحسن إطلاق الجزاء في حقه.
{وكانوا} أي: زيادة على ما ذكر {يقولون} أي: إنكاراً مجددين لذلك دائماً عناداً {أئذا} أي أنبعث إذا {متنا وكنا} أي كوناً ثابتاً {تراباً وعظاماً} ثم أعادوا الاستفهام تأكيداً لإنكارهم فقالوا: {أئنا لمبعوثون} أي: كائن وثابت بعثنا ساعة من الدهر وأكدوا ليكون إنكارهم لما دون ذلك بطريق الأولى وقرأ قالون أئذا بتحقيق الهمزة الأولى، المفتوحة وتسهيل الثانية المكسورة وإدخال ألف بينهما وكسر الميم من متنا وهمزة واحدة مكسورة في أئناء، وقرأ ورش بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية ولا إدخال بينهما وكسر ميم متنا وهمزة واحدة مكسورة في أئنا مع النقل عن أصله؛ وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: بالاستفهام فيهما مع تسهيل الثانية إلا أنّ أبا عمرو يدخل بينهما ألفاً فيهما وابن كثير لا يدخل ألفاً وضما ميم متنا {أو آباؤنا} أي: أو تبعث آباؤنا {الأولون} أي: الذين قد بليت مع لحومهم عظامهم فصاروا كلهم تراباً ولا سيما أن حملتهم السيول ففرّقت أعضاءهم وذهبت بها في الآفاق؛ فإن قيل: كيف حسن العطف على المضمر في لمبعوثون من غير تأكيد بنحن؟ أجيب بأنه حسن للفاصل الذي هو الهمزة كما حسن في قوله تعالى: {ما أشركنا ولا آباؤنا} (الأنعام: 148)
لفصل لا المؤكدة للنفي، وقرأ قالون وابن عامر: بسكون الواو من أو والباقون بفتحها.
ثم ردّ الله تعالى عليهم قولهم ذلك بقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم
{قل} أي: لهؤلاء ولكل من كان مثلهم وأكد لإنكارهم {إن الأولين} أي: الذين جعلتم الاستبعاد فيهم وهم الآباء {والآخرين} وهم الأبناء {لمجموعون} أي: في المكان الذي يكون فيه الحساب {إلى ميقات يوم} أي: زمان {معلوم} أي: معين عند الله تعالى وهو يوم القيامة إذ هو من شأنه أن يعلم بما عليه من الأمارات والميقات ما وقت به الشيء من زمان أو مكان إلى حد {ثم إنكم} أي: بعد هذا الجمع {أيها الضالون} أي: الذين غلبت عليهم الغباوة فهم لا يفهمون فضلوا عن الهدى ثم اتبع ذلك ما أوجب الحكم عليهم بالضلال فقال تعالى: {المكذبون} بالبعث والخطاب لأهل مكة ومن في مثل حالهم {لآكلون من شجر من زقوم} وهو من أخبث الشجر المر بتهامة ينبتها الله تعالى في الجحيم فهو في غاية الكراهة وبشاعة المنظر ونتن الرائحة وقد مرّ الكلام على ذلك في الصافات
تنبيه: من الأولى لابتداء الغاية والثانية لبيان الشجر {فمالؤن} أي: ملأ هو في غاية الثبات وأنتم في غاية الإقبال عليه مع ما هو عليه من عظيم الكراهة {منها} أي: الشجر وأنثه لأنه جمع شجرة وهو اسم جنس، قال البقاعي: وهم يكرهون الإناث فتأنيثه والله أعلم زيادة في تنفيرهم؛ وقال الزمخشري: أنت ضمير الشجر على المعنى وذكره على اللفظ في قوله: {منها} وعليه وهو