ثم بينهم بقوله تعالى: {ثلة من الأولين} أي: من أصحاب اليمين {وثلة} أي: منهم {من الآخرين} فلم يبين فيهم قلة ولا كثرة، قال البقاعي: والظاهر أنّ الآخرين أكثر فإن وصف الأولين بالكثرة لا ينافي كون غيرهم أكثر ليتفق مع قول النبيّ صلى الله عليه وسلم «أن هذه الأمة ثلثا أهل الجنة فإنهم عشرون ومئة صف هذه الأمة منهم ثمانون صفاً وأربعون من سائر الأمم» . وعن عروة بن رويم قال: لما نزل قوله تعالى: {ثلة من الأوّلين وقليل من الآخرين} بكى عمر وقال: يا نبيّ الله آمنا برسول الله وصدقناه ومن ينجو منّا قليل فأنزل الله تعالى: {ثلة من الأولين وثلة من الآخرين} فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر فقال: قد أنزل الله تعالى فيما قلت فقال عمر: رضينا عن ربنا وتصديق نبينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من آدم إلينا ثلة ومنا إلى يوم القيامة ثلة ولا يستتمها الأسود من رعاة الإبل ممن قال لا إله إلا الله» .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه: قال: «عرضت عليّ الأمم فجعل يمر النبي معه الرجل والنبي معه الرجلان، والنبي معه الرهط، والنبي ليس معه أحد، ورفع إلي سواد عظيم فقلت إنهم أمتي، فقيل لي: هذا موسى وقومه ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب فتفرق الناس، ولم يبين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكر أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: أما نحن فولدنا في الشرك ولكنّا آمنا بالله ورسوله، ولكن هؤلاء هم أبناؤنا، فبلغ النبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: «هم الذين لا يتطيرون، ولا يسترقون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة ابن محصن فقال: ادع الله تعالى أن يجعلني منهم، فقال: أنت منهم ثم قام رجل آخر فقال ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: سبقك بها عكاشة» . والرهط دون العشرة وقيل إلى الأربعين. وعن عبد الله بن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «عرضت عليّ الأنبياء الليلة باتباعها حتى أتى على موسى في كبكبة بني إسرائيل فلما رأيتهم أعجبوني فقلت: أي رب من هؤلاء؟ قيل: هو أخوك موسى ومن معه من بني إسرائيل، قلت: يا رب وأين أمتي؟ قيل: انظر عن يمينك فنظرت فإذا ظراب مكة قد سدّ بوجوه الرجال، فقال: هؤلاء أمتك أرضيت؟ فقلت: رضيت رب، قيل: انظر عن يسارك فنظرت فإذا الأفق قد سد بوجوه الرجال، فقيل: هؤلاء أمتك أرضيت؟ قلت: رب رضيت فقيل: إن مع هؤلاء سبعين ألفاً يدخلون الجنة لا حساب عليهم، فقال صلى الله عليه وسلم إن استطعتم أن تكونوا من السبعين فكونوا، وإن عجزتم وقصرتم فكونوا من أهل الظراب، فإن عجزتم فكونوا من أهل الأفق، فإني قد رأيت أناساً يتهاوشون كثيراً» . وعن عبد الله بن مسعود قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة نحواً من أربعين فقال: «أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قلنا: نعم، قال: أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟

قلنا: نعم، قال: والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر» . وتقدم في الحديث المار أنهم ثلثا أهل الجنة ولا منافاة لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر أولاً بالقليل ثم أطلعه الله تعالى على الزيادة

ولما أتم وصف أصحاب الجنة أتبعه أضدادهم بقوله تعالى:

{وأصحاب الشمال} أي: الجهة التي تتشاءم العرب بها ويعبر بها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015