بوادي محسر أن يقول هذا الكلام الذي قاله عمر رضى الله تعالى عنه.
ولما ذكر تعالى السرر وبين عظمتها ذكر غايتها فقال سبحانه: {متكئين عليها} أي: السرر على الجنب أو غيره كحال من يكون على كرسي فيوضع تحته شيء آخر للإتكاء عليه {متقابلين} فلا ينظر بعضهم إلى قفا بعض، وقال مجاهد وغيره: هذا في المؤمن وزوجته وأهله أي: يتكؤون متقابلين، قال الكلبي طول كل سرير ثلث مئة ذراع، فإذا أراد العبد أن يجلس عليها تواضعت فإذا جلس عليها ارتفعت وقيل: إنهم صاروا أرواحاً نورانية صافية ليس لهم أدبار ولا ظهور.
تنبيه: {متكئين عليها متقابلين} حالان من الضمير في على سرر، ويجوز أن تكون حالاً متداخلة فيكون متقابلين حالاً من ضمير متكئين، ثم بين تعالى أنهم في غاية الراحة بقوله تعالى:
{يطوف عليهم} أي: لكفاية كل ما يحتاجون إليه {ولدان} أي: على أحسن صورة وزي وهيئة {مخلدون} قد حكم الله تعالى ببقائهم على ما هم عليه من الهيئة على شكل الأولاد قال الحسن والكلبي: لا يهرمون ولا يتغيرون، ومنه قول امرئ القيس:
*وهل ينعمن إلا سعيد مخلد ... قليل الهموم ما يبيت بأوجال*
وقال سعيد بن جبير: مخلدون مقرّطون، يقال للقرط: الخلد، والقرط ما يجعل في الأذنين من الحلق؛ وقيل: مقرطقون أي ممنطقون من المناطق والمنطقة ما يجعل في الوسط؛ وأكثر المفسرين أنهم على سن واحد أنشأهم الله تعالى لأهل الجنة، يطوفون عليهم نشؤاً من غير ولادة فيها لأنّ الجنة لا ولادة فيها؛ وقال عليّ بن أبي طالب والحسن البصري رضى الله عنهم: الولدان ههنا ولدان المسلمين الذي يموتون صغاراً ولا حسنة لهم ولا سيئة؛ وقال سلمان الفارسي: أطفال المشركين هم خدم أهل الجنة؛ قال الحسن: لم تكن لهم حسنات يجازون بها ولا سيآت يعاقبون عليها فوضعوا هذا الموضع. والمقصود أن أهل الجنة على أتم السرور والنعمة وقوله تعالى: {بأكواب} متعلق بيطوفون، والأكواب جمع كوب وهي كيزان مستديرة الأفواه بلا عرى ولا خراطيم، لا يعوق الشارب منهاعائق عن شرب من أي موضع. أراد منها، فلا يحتاج أن يحول الإناء عن الحالة التي تناوله بها ليشرب، وقوله تعالى: {وأباريق} جمع إبريق، وهي أوان لها عرى وخراطيم فيها من أنواع المشارب ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، سمى بذلك لبريق لونه من صفائه {وكأس} أي: إناء شراب الخمر {من معين} أي: خمر صافية صفاء الماء ليس يتكلف عصرها جارية من منبع لا ينقطع أبداً.
فإن قيل: كيف جمع الأكواب والأباريق وأفرد الكأس؟ أجيب: أنّ ذلك على عادة أهل الشرب فإنهم يعدون الخمر في أوان كثيرة ويشربون بكأس واحد، وفيها مباينتهم أهل الدنيا من حيث أنهم يطوفون بالأكواب والأباريق ولا تثقل عليهم بخلاف أهل الدنيا {لا يصدّعون عنها} أي: بسببها قال الزمخشري وحقيقته لا يصدر صداعهم عنها، والصداع: هو الداء المعروف الذي يلحق الإنسان في رأسه، والخمر تؤثر فيه؛ قال علقمة بن عبدة في وصف الخمر:
*تشفى الصداع ولا يؤذيك صالتها ... ولا يخالطها في الرأس تدويم*
قال أبو حيان: هذه صفة خمر الجنة كذا قال لي الشيخ أبو جعفر بن الزبير؛ والمعنى: لا تتصدّع رؤوسهم من شربها فهي لذة بلا أذى بخلاف خمر الدنيا؛ وقيل: لا يتفرقون عنها {ولا ينزفون} أي: تذهب