وقال ابن السكيت دهته داهية دهواء ودهياء وهي توكيد لها وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة محضة، وقرأ ورش بالفتح وبين اللفظين والباقون بالفتح {وأمر} لأنّ عذابها للكفار غير مفارق ولا مزايل فهي أعظم نائبة وأشد مرارة من الأسر والقتل يوم بدر وفي رواية: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يثب في درعه ويقول: اللهمّ إن قريشاً جادلتك وتجاهر رسولك بفخرها بخيلها فأخنهم الغداة. يقال: أخنى عليه الدهر أي غلبه وأهلكه ومنه قول النابغة:
*أخني عليها الذي أخنى على لبد*
وأخنيت عليه أفسدت ثم قال: {سيهزم الجمع ويولون الدبر} قال عمر: فعرفت تأويلها وهذا من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنّه أخبر عن غيب فكان كما أخبر؛ قال ابن عباس: كان بين نزول هذه الآية وبين بدر سبع سنين. فالآية على هذا مكية وفي البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها قالت: «لقد أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بمكة وإني لجارية ألعب» {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} وعن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال: «وهو في قبة له يوم بدر أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا، فأخذ أبو بكر بيده وقال: حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك وهو في الدرع فخرج وهو يقول: {سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم} يريد يوم القيامة {والساعة أدهى وأمر} مما لحقهم يوم بدر» .
{إن المجرمين} أي: المشركين القاطعين لما أمر الله تعالى أن يوصل {في ضلال} أي: هلاك بالقتل في الدنيا {وسعر} أي: نار مسعرة أي مهيجة في الآخرة وقيل: {في ضلال} أي: عمى عن القصد بالبعث وسعر. قال الضحاك أي: نار تسعر عليهم وقيل ضلال ذهاب عن طريق الجنة في الآخرة، وسعر جمع سعير نار مسعرة وقال الحسين بن الفضل: إن المجرمين في ضلال في الدنيا ونار في الآخرة. وقال قتادة: في عناء وعذاب.
ثم بين عذابهم في الآخرة بقوله تعالى: {يوم يسحبون} أي: في القيامة إهانة لهم من أي ساحب كان {في النار} أي الكاملة النارية {على وجوههم} لأنهم في غاية الذل والهوان جزاء بما كانوا يذلون أولياء الله تعالى مقولاً لهم من أي قائل اتفق {ذوقوا} لأنه لا منعة لهم ولا حمية بوجه {مَسَّ سقر} أي: حرّ النار وألمها فإن مسها سبب للتألم بها، وسقر علم لجهنم مشتقة من سقرته الشمس أو النار أي لوحته ويقال: صقرته بالصاد وهي مبدلة من السين قال ذو الرمة:
*إذا ذابت الشمس اتقى صقراتها ... يا فنان مربوع الصريمة معبل*
وعدم صرفها للتعريف والتأنيث. وقال بعض المفسرين: إنّ هذه الآية نزلت في القدرية لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «مجوس هذه الأمة القدرية» وهم المجرمون الذين سماهم الله تعالى في قوله سبحانه {إنّ المجرمين في ضلال وسعر} وفي مسلم عن أبي هريرة قال: «جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدر فنزلت هذه الآية إلى آخرها» قال الرازي: والقدري هو الذي ينكر القدر وينسب الحوادث لاتصالات الكواكب لما مرّ أنّ قريشاً خاصموا النبيّ صلى الله عليه وسلم في القدر، ومذهبهم أن الله تعالى مكن العبد من الطاعة والمعصية وهو قادر على خلق ذلك في العبد وقادر على أن يطعم الفقير ولهذا قالوا: أنطعم من لو