رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّتين، وعن ابن مسعود قال: «انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين فرقة فوق الجبل وفرقة دونه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشهدوا» وروى أنس بن مالك أنّ أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراً بينهما. وقال سنان عن قتادة: فأراهم انشقاق القمر مرتين. وقال أبو الضحى عن مسروق عن عبد الله: لم ينشق بمكة. وقال مقاتل: انشق القمر ثم التأم بعد ذلك وقيل انشق بمعنى سينشق يوم القيامة، وأوقع الماضي موقع المستقبل وهو خلاف الإجماع وقيل انشق بمعنى انفلق عنه الظلام عند طلوعه كما يسمى الصبح فلقاً وأنشد النابغة:
*فلما أدبروا ولهم دوي ... دعانا عند شق الصبح داع*
وإنما ذكرت ذلك تنبيهاً على ضعفه. وروى أبو الضحى عن مسروق عن عبد الله قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت قريش: سحركم ابن أبي كبشة فسلوا السفار فسألوهم فقالوا نعم قد رأيناه فأنزل الله تعالى: {اقتربت الساعة وانشق القمر} .
{وإن يروا} أي: كفار قريش {آية} أي: معجزة له صلى الله عليه وسلم كانشقاق القمر {يعرضوا} عنها {ويقولوا} هذا {سحر مستمرّ} أي: ذاهب سوف يذهب ويبطل من قولهم مرّ الشيء واستمرّ إذا ذهب مثل قولهم: قر واستقر قاله مجاهد وقتادة، وقال أبو العالية والضحاك: مستمرّ أي: قوي شديد، من قولهم: مر الحبل إذا صلب واشتد، وأمررته: إذا أحكمت فتله، واستمر الشيء إذا قوي واستحكم، وقيل: مستمرّ أي دائم، فإنّ محمداً صلى الله عليه وسلم كان يأتي كل زمان بمعجز فقالوا: هذا سحر مستمرّ دائم لا يختلف بالنسبة إلى شيء بخلاف سحر السحرة، فإنّ بعضهم يقدر على أمر وأمرين وثلاثة ويعجز عن غيرها وهو قادر على الكلّ قاله الزمخشري ومنه قول الشاعر:
*ألا إنما الدنيا ليال وأعصر ... وليس على شيء قديم بمستمرّ*
وعن حذيفة أنه خطب بالمدائن ثم قال ألا إنّ الساعة قد اقتربت وإن القمر قد انشق على عهد نبيكم مستمرّ دائم مطرد، وكل شيء قد انقادت طريقه ودامت حاله قيل فيه قد استمّر وقال أبو حيان: سبب نزولها أنّ مشركي قريش قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم إن كنت صادقاً فشق لنا القمر فرقتين ووعدوا بالإيمان إن فعل ذلك وقال ليلة بدرأي ليلة أربعة عشر في الشهر فسأل ربه فانشق القمر فقالوا سحر مستمرّ ولم يؤمنوا.
{وكذبوا} بكون انشقاقه دالاً على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وجزموا بالتكذيب عناداً {واتبعوا} أي: بمعالجة فطرتهم الأولى المستقيمة في دعائها إلى التصديق {أهواءهم} في أنه صلى الله عليه وسلم سحر القمر وأنه خسوف في القمر وظهور شيء في جانب آخر من الجوّ يشبه نصف القمر وأنه سحر أعيننا وأنّ القمر لم يصبه شيء فهذه أهواؤهم.
قال القشيري: إذا حصل اتباع الهوى فمن شؤمه يحصل التكذيب لأنّ الله تعالى يلبس على قلب صاحبه حتى لا يستبصروا الرشد واتباع الرضا مقرون بالتصديق لأنّ الله تعالى ببركات الاتباع للحق يفتح عين البصيرة فيأتي بالتصديق.
{وكل أمر} أي: من أموركم من الخير أو الشرّ {مستقرّ} أي: بأهله في الجنة أو النار وقال قتادة وكل أمر مستقرّ فالخير مستقر بأهل الخير والشرّ مستقرّ بأهل الشرّ وقيل مستقرّ قول المصدّقين والمكذبين حتى يعرفوا حقيقته بالثواب والعذاب، وقيل: كل أمر مستقرّ في علم الله تعالى لا يخفى عليه شيء فهم كذبوا واتبعوا أهواءهم والأنبياء صدقوا وبلغوا كقوله تعالى: {لا يخفى على الله منهم شيء} (غافر: 16)
{ولقد جاءهم} أي أهل مكة في القرآن قبل الانشقاق {من الأنباء} أي: أخبار إهلاك الأمم الماضية المكذبة رسلهم لأنّ الأنباء الأخبار العظام التي لها وقع كقول الهدهد {وجئتك من سبأ بنبأ يقين} (النمل: 22)
لأنه كان خبراً عظيماً له وقع وخطر وقال تعالى: {إن جاءكم فاسق بنبأ} (الحجرات: 6)
أي بأمر عظيم له خطر وإنما يجب التثبت فيما يتعلق به حكم ويترتب عليه أمر ذو بال {ما فيه} خاصة {مزدجر} أي: عمّاهم فيه من الباطل، ولكن لم يزدجر منهم إلا من أراد الله تعالى.
تنبيه: المزدجر اسم مصدر أي ازدجار أو اسم مكان أي موضع ازدجار والدال بدل من تاء الافتعال وازدجرته وزجرته نهيته بغلظة وما موصولة أو موصوفة.
وقوله تعالى: {حكمة} خبر مبتدأ محذوف أو بدل من ما أومن مزدجر {بالغة} أي: لها أعظم البلوغ إلى أنهى غايات الحكمة لصحتها ووضوحها ففيها مع الزجر ترجئة ومواعظ وأحكام ودقائق {فما تغن} أي: تنفع {النذر} أي: الإنذارات والمنذرون والأمور المنذر بها ومنها إنما المغني بذلك هو الله تعالى فما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن.
قال البقاعي: ولعل الإشارة بإسقاط ياء تغني بإجماع المصاحف من غير موجب في اللفظ إلى أنه كما سقطت غاية أحرف الكلمة سقطت ثمرة الإنذار وهو القبول.
تنبيه: يجوز في ما أن تكون استفهامية وتكون في محل نصب مفعولاً مقدّماً أي أي شيء تغني النذر وأن تكون نافية أي لم تغن النذر شيئاً والنذر جمع نذير والمراد به المصدر أو اسم الفاعل.
ولما كان صلى الله عليه وسلم شديد التعلق بطلب نجاتهم فهو لذلك ربما اشتهى إجابتهم إلى مقترحاتهم تسبب عن ذلك قوله تعالى: {فتولّ عنهم} أي: كلف نفسك الإعراض عن تمني ذلك فما عليك إلا البلاغ وأمّا الهداية فإلى الله تعالى وحده.
تنبيه: قال أكثر المفسرين نسختها آية السيف وقال الرازي