والسلام في السموات.
ولما قرّر تعالى الرسالة ذكر ما ينبغي أن يبتدئ به الرسول وهو التوحيد ومنع الخلق عن الإشراك بقوله تعالى:
إشارة إلى إبطال قولهم كما إذا ادّعى ضعيف الملك ثم رآه العقلاء في غاية البعد عما يدعيه يقولون: انظروا إلى هذا الذي يدعي الملك منكرين عليه غير مستدلين بدليل لظهور أمره، فلذلك قال تعالى: {أفرأيتم اللات والعزى} أي كما هما فكيف تشركونهما بالله سبحانه وتعالى، واللات صنم ثقيف والعزى شجرة لغسان وهما أعظم أصنامهم، اشتقوا لهما اسمين من أسماء الله تعالى فقالوا من الله اللات ومن العزيز العزى وقيل: العزى تأنيث الأعز وعن ابن عباس كان اللات رجلاً يلت السويق للحاج فلما مات عكفوا على قبره.
وعن مجاهد أن العزى شجرة لغطفان كانوا يعبدونه فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها فجعل خالد يضربها بالفأس ويقول:
*يا عز كفرانك لا سبحانك ... إني رأيت الله قد أهانك*
فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها داعية بويلها واضعة يدها على رأسها ويقال إنّ خالداً رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد قلعتها فقال ما رأيت قال ما رأيت شيئاً فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم ما فعلت فعاودها ومعه المعول فقلعها واجتث أصلها فخرجت منها امرأة عريانة فقتلها ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال تلك العزى ولن تعبد أبداً.
وقال الضحاك: هي صنم لغطفان وضعها لهم سعيد بن ظالم الغطفاني، وذلك أنه لما قدم مكة فرأى الصفا والمروة ورأى أهل مكة يطوفون بهما فعاد إلى نخلة وقال لقومه: إن لأهل مكة الصفا والمروة وليستا لكم ولهم إله يعبدونه وليس لكم قالوا: فما تأمرنا به، قال: أنا أصنع لكم كذلك وأخذ حجراً من الصفا وحجراً من المروة ونقلهما إلى نخلة فوضع الذي أخذه من الصفا وقال: هذا الصفا ووضع الذي أخذه من المروة، وقال هذه المروة: ثم أخذ ثلاثة أحجار فاسندها إلى شجرة فقال: هذا ربكم، فجعلوا يطوفون بين الحجرين ويعبدون الحجارة حتى افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فأمر برفع الحجارة وبعث خالد بن الوليد إلى العزى فقطعها وقال ابن زيد: هي بيت بالطائف كان تعبده ثقيف.
وأما قوله تعالى {ومناة} فقال قتادة: هي صخرة كانت لخزاعة بقديد، وقالت عائشة في الأنصار كانوا يصلون لمناة فكانت حذو قديد. وقال ابن زيد بيت بالمشلل تعبده بنو كعب وقال الضحاك: مناة صنم لهذيل وخزاعة يعبده أهل مكة وقيل اللات والعزى ومناة أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة يعبدونها.
وقوله تعالى: {الثالثة الأخرى} نعت لمناة إذ هي الثالثة للصنمين في الذكر، وأما الأخرى فقال أبو البقاء: توكيد لأنّ الثالثة لا تكون إلا أخرى، وقال الزمخشري: الأخرى ذم وهي المتأخرة الوضيعة المقدار كقوله تعالى: {وقالت أخراهم} أي: وضعاؤهم {لأولاهم} أي: لأشرافهم، ويجوز أن تكون الأولية والتقدّم عندهم للات والعزى ا. هـ. قال ابن عادل: وفيه نظر لأنّ الأخرى إنما تدل على الغيرية وليس فيها تعرّض لمدح ولا ذم فإن جاء شيء فلقرينة خارجية ا. هـ. ووجه الترتيب أنّ اللات كان وثناً على صورة آدمي، والعزى شجرة نبات، ومناة صخرة فهي جماد فهي في أخريات المراتب.
فإن قيل: ما فائدة الفاء في