بن مطعم: قدمت المدينة لأكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر فدفعت إليه وهو يصلي بأصحابه المغرب وصوته يخرج من المسجد فسمعته يقرأ والطور إلى قوله تعالى: {إن عذاب ربك لواقع ماله من دافع} فكأنما صدع قلبي حين سمعته ولم أكن أسلمت يومئذ فأسلمت خوفاً من العذاب وما كنت أظنّ أني أقوم من مكاني حتى يقع بي العذاب.
ثم بين تعالى أنه متى يقع بقوله تعالى {يوم تمور السماء} أي: تتحرك وتضطرب وتجيء وتذهب وتدور دوران الرحى ويموج بعضها في بعض وتتكفأ بأهلها تكفؤ السفينة وتختلف أجزاؤها بعضها في بعض. قال البغوي: والمور يجمع هذه المعاني وهو في اللغة الذهاب والمجيء والتردّد والدوران والاضطراب قال الرازي: وقيل تجيء وتذهب كالدخان ثم تضمحل {موراً} أي: اضطراباً شديداً.
{وتسير الجبال} أي: تنتقل من أمكنتها انتقال السحاب وحقق معناه بقوله تعالى {سيراً} فتصير هباء منثوراً وتكون الأرض قاعاً صفصفاً.
ثم بيّن من يقع عليه العذاب بقوله تعالى {فويل} أي: شدة عذاب {يومئذ} أي: يوم إذ يكون ما تقدّم ذكره {للمكذبين} أي: الغريقين في التكذيب للرسل.
{الذين هم} من بين الناس بظواهرهم وبواطنهم {في خوض} أي: أقوالهم وأفعالهم أفعال الخائض في الماء فهو لا يدري أين يضع رجله {يلعبون} فاجتمع عليهم أمران موجبان للباطل الخوض واللعب فهم بحيث لا يكاد يقع لهم قول ولا فعل في موضعه فلا يؤسس على بيان أو حجة.
فإن قيل: أهل الكبائر لا يكذبون فمقتضى ذلك أنهم لا يعذبون. أجيب بأنّ ذلك العذاب لا يقع على أهل الكبائر لقوله تعالى {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا} (الملك: 8 ـ 9)
فالمؤمن لا يلقى فيها إلقاء هوان وإنما يدخل فيها للتطهير إدخالاً مع نوع إكرام فالويل إنما هو للمكذبين.
وقوله تعالى: {يوم يدعون} بدل من يوم تمور السماء أو من يومئذ قبله تقديره: فويل يومئذ يوم يدعون، أي: يدفعون دفعاً عنيفاً بجفوة وغلظة من كل من يقيمه الله تعالى لذلك ذاهبين ومتهيئين {إلى نار جهنم} وهي الطبقة التي تلقاهم بالعبوسة والكراهة وأكد المعنى وحققه بقوله تعالى {دعّاً} .
قال البغوي: وذلك أنّ خزنة جهنم يغلون أيديهم إلى أعناقهم ويجمعون نواصيهم إلى أقدامهم ثم يدفعون دفعاً على وجوههم وزجاً في أقفيتهم مقولاً لهم تبكيتاً وتوبيخاً {هذه النار} أي: الجسم المحرق المفسد لما اتى عليه الشاغل عن اللعب {التي كنتم بها} في الدنيا {تكذبون} على التجدّد والاستمرار.
خبر مقدّم وقوله تعالى {هذا} هو المبتدأ وقدّم الخبر لأنه المقصود بالإنكار والتوبيخ، وذلك أنهم كانوا ينسبون محمداً صلى الله عليه وسلم إلى السحر وأنه يغطي الأبصار بالسحر وأنّ انشقاق القمر وأمثاله سحر فوبخوا به، وقيل لهم: {أفسحر هذا} أي الذي أنتم فيه من العذاب مع هذا الإحراق الذي تصلون فيه {أم أنتم} في منام أو نحوه {لا تبصرون} بالقلوب كما كنتم تقولون في الدنيا قلوبنا في أكنة، ولا بالأعين كما كنتم تقولون للمنذر {بيننا وبينك حجاب فاعمل أننا عاملون} (فصلت: 5)
{اصلوها} أي: إذا لم يمكنكم إنكارها وتحققتم أنه ليس بسحر ولا خلل في أبصاركم فقاسوا شدّتها {فاصبروا} على هذا الذي لا طاقة لكم به {أو لا تصبروا} فإنه لا محيص لكم عنه {سواء