لا يقال أن زيداً فقائم أجيب: بأن الموصول متضمن معنى الشرط فكأنه قيل: الذين يكفرون فبشرهم بمعنى من يكفر فبشرهم.
{أولئك الذين حبطت أعمالهم} أي: ما عملوه من خير كصدقة وصلة رحم {في الدنيا والآخرة} فلا يعتدّ بها لعدم شرطها {وما لهم من ناصرين} أي: مانعين عنهم العذاب.
{ألم تر} أي: تنظر {إلى الذين أوتوا نصيباً} أي: حظاً {من الكتاب} أي: التوراة أو جنس الكتب السماوية ومن للتبعيض أو البيان، قال البيضاوي: وتنكير النصيب يحتمل التعظيم والتحقير انتهى. أمّا التعظيم فظاهر وهو ما اقتصر عليه الزمخشريّ، وأمّا التحقير ففيه نظر إذ النصيب المراد به الكتاب أو بعضه لا حقارة فيه وقد يقال: إن تحقيره بالنسبة إليهم حيث لم يعملوا به {يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم} الداعي هو محمد صلى الله عليه وسلم وكتاب الله القرآن أو التوراة واختلفوا في سبب نزول هذه الآية، فروى سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدراس ـ أي: موضع صاحب دراسة كتبهم ـ على جماعة من اليهود فدعاهم إلى الله عز وجل فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد: على أي دين أنت؟ قال: دين إبراهيم فقالا له: إن إبراهيم كان يهودياً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم فأبيا عليه فأنزل الله عز وجل هذه الآية» .
وروى الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «أنّ رجلاً وامرأة من أهل خيبر زنيا وكان في كتابهم الرجم فكرهوا رجمهما لشرفهما فيهم فرفعوا أمرهما إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ورجوا أن تكون عنده رخصة فحكم عليهما بالرجم، فقال له النعمان بن أوفى وعديّ بن عمرو: جرت علينا يا محمد ليس عليهما الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بيني وبينكم التوراة» قالوا: قد أنصفتنا قال: «فمن أعلمكم بالتوراة؟» قالوا: رجل يقال له عبد الله بن صوريا فأرسلوا إليه فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء من التوراة فيها الرجم مكتوب فقال له: اقرأ فلما أتى على آية الرجم وضع كفه عليها وقرأ ما بعدها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ابن سلام: يا رسول الله قد جاوزها وقام فرفع كفه عنها ثم قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اليهود أن المحصن والمحصنة إذا زنيا وقامت عليهما البينة رجماً، وإن كانت حبلى تتربص حتى تضع ما في بطنها، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باليهوديين فرجما فغضب اليهود وانصرفوا فأنزل الله عز وجل هذه الآية {ثم يتولى فريق منهم} » وأتى بثم لاستبعاد توليهم مع علمهم بأن الرجوع إلى كتاب الله تعالى واجب لا للتراخي في الزمان إذ لا تراخي فيه. وقوله تعالى: {وهم معرضون} أي: عن قبول حكمه جملة حالية من فريق وإنما ساغ لتخصيصه بالصفة.
{ذلك} إشارة إلى ما ذكر من التولي والإعراض {بأنهم قالوا} أي: بسبب قولهم {لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات} أي: قالوا ذلك بسبب تسهيلهم أمر العقاب على أنفسهم لهذا الإعتقاد المائل والطمع الفارغ عن حصول المطموع فيه وهو الخروج من النار بعد أيام قليلة وهي أربعون يوماً مدّة عبادة آبائهم العجل ثم تزول عنهم {وغرّهم في دينهم} والغرور هو الإطماع فيما لا يحصل منه شيء {ما كانوا يفترون} أي: من أن النار لن تمسهم إلا أياماً قلائل أو أن آبائهم الأنبياء يشفعون لهم،