تعالى:
{هل أتاك} أي يا أكمل الخلق {حديث ضيف إبراهيم المكرمين} تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم وتبشير له بالفرج وسماهم ضيفاً؛ لأنه حسبهم كذلك ويقع على الواحد والجمع لأنه مصدر، وسماهم مكرمين عند الله تعالى، أو لأنّ إبراهيم عليه السلام أكرمهم بأن عجل قراهم وأجلسهم في أكرم المواضع واختيار إبراهيم لكونه شيخ المرسلين، وكون النبيّ صلى الله عليه وسلم مأموراً بأن يتبع ملته وكان إبراهيم عليه السلام أكرم الخليقة، وضيف الكرام مكرمون. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: لأنّ إبراهيم عليه السلام خدمهم بنفسه، وعن ابن عباس سماهم مكرمين لأنهم جاؤوا غير مدعوين، وقال صلى الله عليه وسلم «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» .
فإن قيل: إذا كان المراد من الآية التسلية والإنذار، فأي فائدة في حكاية الضيافة؟ أجيب: بأنّ في ذلك إشارة إلى أنّ الفرج في حق الأنبياء والبلاء على الجهلة يأتي من حيث لم يحتسبوا كقوله تعالى: {فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون} (الزمر: 25)
فلم يكن عند إبراهيم عليه السلام خبر من إنزال العذاب مع ارتفاع منزلته قال القشيري: وقيل كان عددهم اثني عشر ملكاً وقيل: جبريل عليه السلام وكان معه تسعة وقيل: كانوا ثلاثة، وقرأ هشام بفتح الهاء وألف بعدها والباقون بكسر الهاء وياء بعدها.
{إذ} أي حديثهم حين {دخلوا عليه} أي دخول استعلاء مخالف لدخول بقية الضيوف، وقرأ نافع وابن كثير وعاصم بإظهار الذال عند الدال والباقون بالإدغام.
تنبيه: اختلف في العامل في إذ على أربعة أوجه: أحدها: أنه حديث أي هل أتاك حديثهم الواقع في وقت دخولهم عليه. ثانيها: أنه منصوب بما في ضيف من معنى الفعل، لأنه في الأصل مصدر ولذلك استوى فيه الواحد المذكر وغيره، كأنه قيل: الذين أضافهم في وقت دخولهم عليه. ثالثها: أنه منصوب بالمكرمين إن أريد بإكرامهم أن إبراهيم عليه السلام أكرمهم بخدمته لهم كأنه تعالى يقول: أكرموا إذ دخلوا. رابعها: أنه منصوب بإضمار اذكر، ولا يجوز نصبه بأتاك لاختلاف الزمانين.
فإن قيل: إنما أرسلوا إلى قوم لوط فما الحكمة في مجيئهم إلى إبراهيم عليه السلام؟ أجيب من وجهين: أحدهما: أن إبراهيم عليه السلام شيخ المرسلين ولوط من قومه، وعادة الملك إذا أرسل رسولاً لملك وفي طريقه من هو أكبر منه يقول له: اعبر على فلان الملك وأخبره برسالتك وخذ فيها رأيه. ثانيهما: أن إبراهيم عليه السلام كان شديد الشفقة حليماً فكان يشق عليه إهلاك أمّة عظيمة، وكان ذلك مما يحزن إبراهيم عليه السلام شفقة منه على العباد، فقال لهم: بشروه بغلام يخرج من صلبه أضعاف من هلك ويكون من صلبه فروع الأنبياء عليهم السلام {فقالوا سلاماً} أي هذا اللفظ. {قال سلامٌ} أي: هذا اللفظ، والمشهور أنّ السلام الأوّل المراد به التحية أن نسلم سلاماً، وقيل: إن سلاماً معناه حسناً؛ لأنه كلام سلم به المتكلم من أن يلغو ويأثم، فكأنهم قالوا قولاً حسناً سليماً من الإثم فيكون مفعولاً به، لأنه في معنى القول، وأمّا رفع الثاني فالمشهور أنه التحية فهو مبتدأ وخبره محذوف أي عليكم، وقيل: إنه السلامة، أي: أمري سلام لأني لا أعرفكم، وقرأ حمزة والكسائي بكسر السين وسكون اللام والباقون بفتح السين واللام وألف بعدها والمعنى واحد.