مسافة {من حبل الوريد} لأنّ أبعاضه وأجزاءه يحجب بعضها بعضاً ولا يحجب علم الله تعالى شيء والوريدان عرقان مكتنفان بصفحتي العنق في مقدّمها متصلان من الرأس إلى الوتين وهو عرق متصل بالقلب إذا قطع مات صاحبه. وهذا مثل في فرط القرب وإضافته مثل مسجد الجامع أي حبل العرق الوريد أو لأن الحبل أعمّ فأضيف للبيان نحو بئر ساقية أو يراد حبل العاتق وأضيف إلى الوريد كما يضاف إلى العاتق لأنهما ما في عضو واحد. وقال البغوي: حبل الوريد: عرق الفرق وهو عرق بين الحلقوم والعلباوين يتفرّق في البدن والحبل هو الوريد فأضيف إلى نفسه لاختلاف اللفظين. قال القشيري: وفي هذه الآية هيبة وفزع وخوف لقوم وروح وأنس وسكون قلب لقوم. وقوله تعالى:
{إذ يتلقى} ظرف لأقرب ويجوز أن يكون منصوباً باذكر أي واذكر إذ يتلقى أي بغاية الاجتهاد والمراقبة والمراعاة من كل إنسان خلقناه وأبرزناه إلى هذا الوجود {المتلقيان} أي: الملكان الموكلان بعمل الإنسان ومنطقه يحفظانه ويكتبانه حال كونهما {عن اليمين} لكل إنسان {وعن الشمال} أي: أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله فالذي عن اليمين يكتب الحسنات والذي عن الشمال يكتب السيئات وقوله تعالى: {قعيد} أي: قاعدان. مبتدأ وخبره ما قبله لأنّ فعيلاً يطلق على الواحد والمتعدّد كقوله تعالى: {بعد ذلك ظهير} (التحريم: 4)
قال ابن عادل: والأجود أن يدع حذف إما من الأوّل أي عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد وإما من الثاني فيكون قعيد الملفوظ به للأوّل ومثله قوله:
*رماني بأمر كنت منه ووالدي ... بريئاً ومن أجل الطويّ رماني*
وقال مجاهد: القعيد المرصد. ونحن أعلم منهما وأقرب وإنما استحفظناهما لإقامة الحجة بهما على مجاري عاداتكم وغير ذلك من الحكم.
{ما يلفظ} أي: يرمي ويخرج المكلف من فيه وعمم في النفي بقوله تعالى {من قول} جل أو قل {إلا لديه} أي: الإنسان أو القول على هيئة من القدرة والعظمة من أغرب المستغرب {رقيب} من حفظتنا شديد المراعاة في كل من أحواله {عتيد} أي: حاضر مراقب غير غافل بوجه قال الجلال المحلي: وكل منهما بمعنى المثنى أي رقيبان عتيدان. روى أبو أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على يسار الرجل وكاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشراً وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال: دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر» .
تنبيه: اختلف فيما يكتبان فقال مجاهد: يكتبان عليه حتى أنينه في مرضه. وقال عكرمة: لا يكتبان إلا ما يؤجر أو يوزر فيه.
فائدتان: إحداهما: قال الحسن: إن الملائكة يجتنبون الإنسان عند حالتين عند غائطه وعند جماعه.
الثانية: قال الضحاك: مجلسهما تحت الشعر على الحنك ومثله عن الحسن يعجبه أن ينظف عنفقته
{وجاءت} أي: أتت وحضرت {سكرة الموت} أي: حالته عند النزع وشدّته وغمرته يصير المريض بها السكران لا يعي وتخرج بها أقواله وأفعاله عن قانون الاعتدال مجيئاً ملتبساً بالحق أي الأمر الثابت الذي يطابقه الواقع فلا حيلة في الاحتراس منه. وقيل: للميت بلسان الحال إن لم يكن بلسان المقال {ذلك} أي: هذا الأمر العظيم العالي الرتبة الذي يحق لكل أحد الاعتداد له بغاية الجهد {ما} أي: الأمر الذي {كنت} أي: جبلةً