الإنسان فلا يجوز أن يكون ذلك الحيوان حيواناً ولا يكون إنساناً فالعام والخاص مختلفان في العموم متحدان في الوجود، وكذلك المؤمن والمسلم، وسيأتي زيادة على ذلك في الذاريات إن شاء الله تعالى.
وقال الرازي: في الآية إشارة إلى بيان حال المؤلفة إذا أسلموا ويكون إيمانهم ضعيفاً فيقال لهم: لم تؤمنوا لأنّ الإيمان إيقان وذلك بعد لم يدخل في قلوبهم وسيدخل بإطلاعهم على محاسن الإسلام انتهى. بل الإيمان دخل في قلوبهم ولكن لم يتألفوا بأهل الإسلام؟.
تنبيه: التعبير بلما يفهم أنهم آمنوا بعد ذلك ويجوز أن يكون المراد بهذا النفي نفي التمكن في القلب لا نفي مطلق الدخول بدليل إنما المؤمنون دون إنما الذين آمنوا {وإن تطيعوا الله} أي: الملك الذي من خالفه لم يأمن عقوبته {ورسوله} أي: الذي طاعته من طاعته على ما أنتم عليه من الأمر الظاهر فتؤمن قلوبكم {لا يلتكم} أي: لا ينقصكم {من أعمالكم شيئاً} بل يعطيكم ما يليق به من الجزاء لأنّ من حمل إلى ملك فاكهة طيبة قدر ثمنها في السوق ردهم فأعطاه الملك درهماً انتسب الملك إلى البخل فهو يعطي ما تتوقعون بأعمالكم وزيادة من غير نقص فلا حاجة إلى إخباركم عن إيمانكم بغير ما يدلّ عليه من الأقوال والأفعال.
وقرأ الدوري: عن أبي عمرو بعد الياء التحتية بهمزة ساكنة وأبدلها السوسي ألفاً والباقون بغير همز ولا ألف. ولما كان الإنسان مبنياً على النقص وإن اجتهد غاية اجتهاده قال الله تعالى: {إن الله} أي: الذي له صفات الكمال {غفور} أي: ستور للهفوات والزلات لمن تاب وصحت نيته ولغيره إن شاء فلا عتاب ولا عقاب {رحيم} أي: يزيد على الستر عظيم الإكرام ثم بين تعالى لهم حقيقة الإيمان بقوله تعالى:
{إنما المؤمنون} أي العريقون في الإيمان الذي هو حياة القلوب. قال القشيري: والقلوب لا تحيا إلا بعد ذبح النفوس والنفوس لا تموت ولكنها تعيش {الذين آمنوا} أي: صدّقوا معترفين {بالله} معتقدين بجميع ماله من صفات الكمال {ورسوله} شاهدين برسالته وهذا الإثبات هنا يدل على أن المنفي فيما قبل الكمال المطلق وإلا لقال تعالى إنما الذين آمنوا {ثم لم يرتابوا} أي: لم يشكوا في دينهم وأيقنوا بأنّ الإيمان إيقان.
تنبيه: ثم للتراخي في الحكاية كأنه يقول آمنوا ثم أقول شيئاً آخر لم يرتابوا ويحتمل أن تكون للتراخي في الفعل أي آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا فيما نقل النبيّ صلى الله عليه وسلم من الحشر والنشر {وجاهدوا} أي: أوقعوا الجهاد بكل ما ينبغي أن تجهد النفوس فيه تصديقاً لما ادعوه بألسنتهم من الإيمان {بأموالهم} وذلك هو النية وقوله تعالى: {وأنفسهم} أعمّ من النية وغيرها وذلك هو الشجاعة قدم الأموال لقلتها عند العرب {في سبيل الله} أي: طريق الملك الأعظم بقتال الكفار وغيره من سائر العبادات المحتاجة إلى المال والنفس لا الذين يتخلفون ويقولون شغلتنا أموالنا وأهلونا. قال القشيري: جعل الله تعالى الإيمان مشروطاً بخصال ذكرها وذكر بلفظ إنما وهي للتحقيق يقتضي الطرد والعكس فمن أفرد الإيمان عن شرائطه التي جعلها له فمردود عليه قوله: {أولئك} أي: العالو الرتبة {هم الصادقون} أي: في قولهم وفعلهم أنهم مؤمنون. ولما نزل هاتان الآيتان أتت الأعراب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحلفون بالله أنهم مؤمنون صادقون