وإنما كرهها خوفاً من الرياء عليه. وعن أنس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إني لأبغض الرجل وأكرهه إذا رأيت بين عينيه أثر السجود» وعن بعض المتقدّمين: كنا نصلي فلا يرى بين أعيننا شيء ونرى أحدنا الآن يصلي فيرى بين عينيه ركبة البعير فلا ندري أثقلت الرؤوس أم خشنت الأرض. وإنما أراد بذلك من تعمد ذلك للنفاق ثم أشار تعالى إلى علو مرتبة ذلك الوصف بقوله سبحانه:

{ذلك} أي: هذا الوصف العالي جداً البديع المثال البعيد المنال {مثلهم} أي: صفتهم {في التوراة} وههنا تم الكلام فإن مثلهم: مبتدأ وخبره في التوراة وقوله تعالى: {ومثلهم في الإنجيل} أي: الذي نسخ الله تعالى به بعض أحكام التوراة مبتدأ وخبره {كزرع} أي: مثل زرع {أخرج شطأه} أي: فراخه يقال أشطأ الزرع إذا فرخ وهل يختص ذلك بالحنطة فقط أو بها وبالشعير أو لا يختص خلاف مشهور قال الشاعر:

*أخرج الشطأ على وجه الثرى

... ومن الأشجار أفنان الثمر

وقرأ ابن كثير وابن ذكوان: بفتح الطاء والباقون بإسكانها. وهما لغتان كالنهر والنهر وأدغم أبو عمرو الجيم في الشين بخلاف عنه ثم سبب عن هذا الإخراج قوله تعالى: {فآزره} أي: قواه وأعانه. وقرأ ابن ذكوان: بقصر الهمزة بعد الفاء والباقون بالمدّ. {فاستغلظ} أي: فطلب المذكور من الزرع والشطء الغلظ وأوجده فتسبب عن ذلك اعتداله {فاستوى} أي: قوى واستقام وقوله تعالى: {على سوقه} متعلق باستوى ويجوز أن يكون حالاً أي كائناً على سوقه أي قائماً عليها، هذا مثل ضربه الله تعالى لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الإنجيل أنهم يكونون قليلاً ثم يزدادون ويكثرون.

قال قتادة: مثل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الإنجيل مكتوب أنه سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. وقيل: الزرع محمد صلى الله عليه وسلم والشطء: أصحابه والمؤمنون. وروى مبارك بن فضالة عن الحسن قال محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين معه أبو بكر الصدّيق. أشدّاء على الكفار: عمر بن الخطاب. رحماء بينهم: عثمان بن عفان. تراهم ركعاً سجداً: علي بن أبي طالب يبتغون فضلاً من الله العشرة المبشرون بالجنة كمثل زرع محمد صلى الله عليه وسلم أخرج شطأه أبو بكر فآزره عمر، فاستغلظ عثمان يعني استغلظ عثمان بالإسلام، فاستوى على سوقه علي بن أبي طالب رضى الله عنه استقام الإسلام بسيفه.

{يعجب الزرّاع} قال: المؤمنون {ليغيظ بهم الكفار} قول عمر لأهل مكة بعدما أسلم: لا يعبد الله سراً بعد اليوم روى أنس بن مالك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أرحم أمّتي أبو بكر، وأشدّهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأفرضهم زيد، وأقرؤهم أبيّ، وأعلمهم بالحرام والحلال معاذ بن جبل، ولكل أمّة أمين وأمين هذه الأمّة أبو عبيدة بن الجرّاح» وفي رواية أخرى وأقضاهم علي وروى بريدة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من مات من أصحابي بأرض كان نورهم وقائدهم يوم القيامة» .

تنبيه: يعجب حال أي معجباً وهنا تم الكلام.

وقوله تعالى {ليغيظ بهم الكفار} فيه أوجه: أحدها: أنه متعلق بمحذوف دل عليه تشبيههم بالزرع في نمائهم وقوّتهم. قال الزمخشري: أي شبههم الله تعالى بذلك ليغيظ. ثانيها: أنه متعلق بما دل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015