فلا يكون قلباً يعرف، كما يقال للإنسان المؤذي: هذا ليس بإنسان فكذلك يقال: هذا ليس بقلب، هذا حجر، وإذا علم هذا، فالتعريف إمّا بالألف واللام، وإما بالإضافة بأن يقال على قلوبهم أقفالها، وهي لعدم عود فائدة إليهم كأنها ليست لهم.
فإن قيل قد قال تعالى {ختم الله على قلوبهم} (البقرة: 7)
وقال تعالى: {فويل للقاسية قلوبهم} (الزمر: 22)
أجيب بأنّ الأقفال أبلغ من الختم، فترك الإضافة لعدم انتفاعهم رأساً.
فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى: {أقفالها} بالإضافة؟ ولم يقل أقفال كما قال: {قلوب} .
أجيب بأنّ الأقفال كأنها ليست إلا لها ولم يضف القلوب إليهم لعدم نفعها إياهم، وأضاف الأقفال إليها لكونها مناسبة لها، أو يقال: أراد به أقفالاً مخصوصة هي أقفال الكفر والعناد ولما أخبر تعالى بأقفال قلوبهم بين منشأ ذلك.
فقال تعالى:
{إنّ الذين ارتدوا} أي: من أهل الكتاب وغيرهم {على أدبارهم} أي: رجعوا كفارا {من بعدما تبين} أي: غاية البيان {لهم الهدى} أي: بالدلائل التي هي من شدة ظهورها غنية عن بيان مبين {الشيطان سوّل لهم} أي: زين وسهل لهم اقتراف الكبائر {وأملى} أي: ومدّ الشيطان {لهم} في الآمال والأماني بإرادته تعالى فهو المضل لهم وقرأ أبو عمرو: بضم الهمزة وكسر اللام وفتح الياء والباقون: بفتح الهمزة واللام وسكون الألف المنقلبة وأمالها حمزة والكسائي محضة، وقرأ ورش بالفتح وبين اللفظين، والباقون بالفتح قال في الكشاف: فإن قلت: من هؤلاء؟ قلت: اليهود كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم من بعدما تبين لهم الهدى وهو نعته في التوراة وقيل: هم المنافقون.
{ذلك} أي: إضلالهم {بأنهم} أي: بسبب أنهم {قالوا} أي: المنافقون {للذين كرهوا} أي: وهم المشركون {ما} أي: جميع ما {نزل الله} أي: الملك الأعظم على التدريج بحسب الوقائع، تنزيلاً في إعجاز الخلق في بلاغة التركيب مع فصاحة المفردات وجزالتها، مع السهولة في النطق، والعذوبة في السمع، والملاءمة للطبع {سنطيعكم في بعض الأمر} أي: أمر المعاونة على عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيط الناس عن الجهاد معه قالوا ذلك سراً، فأظهره الله تعالى، {والله} أي: قالوا ذلك والحال أن الملك الأعظم المحيط بكل شيء علما وقدرة {يعلم} أي: على ممر الأوقات {أسرارهم} أي: كلها؛ هذا الذي أفشاه عليهم، وغيره مما في ضمائرهم مما لم يبرز على ألسنتهم ولعلهم لم يعلموه فضلاً عن أقوالهم التي تحدثت بها أنفسهم فبان بذلك أنه لا أديان لهم ولا عقول ولا مروءات. وقرأ حمزة والكسائي وحفص بكسر الهمزة مصدراً والباقون بفتحها جمع سر.
{فكيف} أي: حالهم {إذا توفتهم الملائكة} أي: قبضت رسلنا، وهم ملك الموت وأعوانه أرواحهم كاملة وقوله تعالى: {يضربون وجوههم وأدبارهم} تصوير لتوفيهم بما يخافون منه ويجبنون عن القتال له وعن ابن عباس: لا يتوفى أحد على معصية إلا يضرب من الملائكة في وجهه ودبره. وقوله تعالى:
{ذلك} إشارة إلى التوفي الموصوف {بأنهم} أي: بسبب أنهم {اتبعوا} أي: عالجوا فطرتهم الأولى في أن اتبعوا {ما أسخط الله} أي: الملك الأعظم، وهو الكفر وكتمان نعت الرسول صلى الله عليه وسلم وعصيان الأمر {وكرهوا} بالإشراك {رضوانه} بكراهتهم أعظم أسباب رضاه وهو الإيمان، فهم لما دونه بالقعود عن الطاعات أكره؛ لأنّ ذلك ظاهر غاية الظهور في أنّ فاعله غير معذور في ترك