ألذ مستطاب بعد منافع الشراب قال تعالى:
{ولهم فيها} وقوله تعالى: {من كل الثمرات} فيه وجهان أحدهما: أنّ هذا الجار صفه لمقدر، ذلك المقدر مبتدأ، وخبره الجار قبله، وهو لهم وفيها متعلق بما تعلق به والتقدير ولهم فيها زوجان من كل الثمرات كأنه انتزعه من قوله تعالى {فيهما من كل فاكهة زوجان} وقدّره بعضهم صنف والأوّل كما قال ابن عادل أليق ثانيهما أن {من} مزيدة في المبتدأ.
{ومغفرة من ربهم} فهو راض عنهم مع إحسانه إليهم بما ذكر، بخلاف سيد العبيد في الدنيا فإنه قد يكون مع إحسانه إليهم ساخطاً عليهم وقوله تعالى: {كمن هو خالد في النار} خبر مبتدأ مقدّر أي: أمن هو في هذا النعيم، كمن هو مقيم إقامة لا انقطاع معها في النار التي لا ينطفئ لهيبها، ولا ينفك أسيرها، ووحده لأنّ الخلود يعم من فيها على حدّ سواء، {وسقوا} أي: عوض ما ذكر من شراب أهل الجنة {ماء حميماً} هو في غاية الحرارة {فقطع أمعاءهم} أي: مصارينهم، فخرجت من أدبارهم وهو جمع مع بالقصر وألفه عن ياء لقولهم معيان.
{ومنهم من يستمع إليك} أي: في خطب الجمعة، وهم المنافقون والضمير في قوله تعالى {ومنهم} يحتمل أن يعود إلى الناس كما قال تعالى في سورة البقرة {ومن الناس من يقول آمنا بالله} (البقرة: 81)
بعد ذكر الكفار ويحتمل أن يعود إلى أهل مكة؛ لأنّ ذكرهم سبق في قوله تعالى {هي أشدّ قوة من قريتك التي أخرجتك} ويحتمل أن يرجع إلى معنى قوله تعالى {هو خالد في النار وسقوا ماء حميما} أي: ومن الخالدين في النار قوم يستمعون إليك {حتى إذا} أي: واستمر جهلهم لأنفسهم في الإصغاء حتى إذا {خرجوا} أي: المستمعون والسامعون {من عندك قالوا} أي: الفريقان تعامياً واستهزاءً.
{للذين أوتوا العلم} بسبب تهيئة الله تعالى لهم من صفاء الأفهام بتجردهم عن النفوس والحظوظ، وانقيادهم لما تدعو إليه الفطرة الأولى. منهم ابن مسعود وابن عباس {ماذا قال} أي: النبيّ صلى الله عليه وسلم {آنفا} أي: قبل افتراقنا وخروجنا عنه روى مقاتل: «أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يخطب ويعيب المنافقين فإذا خرجوا من المسجد سألوا عبد الله بن مسعود استهزاء ماذا قال محمد آنفاً» أي الساعة، أي: لا ترجع إليه وقرأ البزي بقصر الهمزة بخلاف عنه والباقون بالمدّ وهما لغتان بمعنى واحد وهما اسما فاعل كحاذر وحذر، {أولئك} أي: البعداء من كل خير {الذين طبع الله} أي: الملك الأعظم {على قلوبهم} أي: بالكفر فلم يفهموا فهم انتفاع؛ لأنّ مثل هذا الجمود لا يكون إلا بذلك {واتبعوا} أي: بغاية جهدهم
{أهواءهم} أي: في الكفر والنفاق، فلذلك هم يتهاونون بأعظم الكلام، ويقبلون على جمع الحطام، فهم أهل النار المشار إليهم قبل آية {مثل الجنة} بأنهم {زين لهم سوء عملهم} ثم ذكر تعالى أضداد هؤلاء.
بقوله سبحانه:
{والذين اهتدوا} أي: اجتهدوا باستماعهم منك في الإيمان، والتسليم والإذعان بأنواع المجاهدات وهم المؤمنون {زادهم} أي: الله الذي طبع على قلوب الكفرة، {هدى} بأن شرح صدورهم، ونورها بأنوار المشاهدات، فصارت أوعية للحكمة {وآتاهم تقواهم} أي: ألهمهم ما يتقون به النار، قال ابن برحان: التقوى عمل الإيمان كما أن أعمال الجوارح عمل الإسلام.
{فهل} أي: ما {ينظرون} أي: ينتظرون وجودها إشارة إلى شدة