الأرحام، وفك الأسارى، وحفظ الجوار، وغير ذلك. فلا يرون لها في الآخرة ثواباً ويجزي عليها في الدنيا من فضله تعالى.
تنبيه: أوّل هذه السورة مناسب لآخر السورة المتقدمة.
ولما ذكر تعالى أهل الكفر معبراً عنهم بأدنى طبقاتهم ليشمل من فوقهم، ذكر أضدادهم كذلك؛ ليعمّ من كان منهم من جميع الفرق. بقوله تعالى: {والذي آمنوا} أي: أقرّوا بالإيمان باللسان {وعملوا} تصديقاً لدعواهم {الصالحات} أي: الأعمال الكاملة في الصلاح، بتأسيسها على الإيمان. ولما كان هذا الوصف لا يخص أتباع محمد صلى الله عليه وسلم خصهم بقوله تعالى: {وآمنوا} أي: مع ذلك {بما نزل} أي: ممن لا منزل إلا هو، منجماً مفرقاً ليجدّدوا بعد الإيمان به إجمالاً الإيمان بكل نجم منه {على محمد} النبيّ الأميّ العربيّ القرشيّ المكيّ المدنيّ الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى: {وهو} أي: هذا الذي نزل عليه صلى الله عليه وسلم موصوف بأنه {الحق} أي: الكامل في الحقيقة ينسخ ولا ينسخ كائناً {من ربهم} أي: المحسن إليهم بإرساله أما إحسانه إلى أمّته فواضح وأمّا سائر الأمم فبكونه هو الشافع فيهم الشفاعة العظمى يوم القيامة، وأمّته هي الشاهدة لهم جملة معترضة وقرأ قالون وأبو عمرو والكسائيّ {وهو} بسكون الهاء والباقون بضمّها {كفر عنهم سيئاتهم} أي: ستر أعمالهم السيئة بالإيمان، وعملهم الصالح {وأصلح بالهم} أي: حالهم في الدين والدنيا بالتوفيق والتأييد.
{ذلك} أي: الأمر العظيم الذي ذكر هنا من جزاء الطائفتين.
{بأن} أي: بسبب أن {الذين كفروا} أي: ستروا مرائي عقولهم {اتبعوا} أي: بغاية جهدهم ومعالجتهم {الباطل} من العمل الذي لا حقيقة له في الخارج تطابقه وذلك هو الابتداع والميل مع الهوى فضلوا {وأن الذين آمنوا} أي: ولو كانوا في أقل درجات الإيمان {اتبعوا} أي بغاية جهدهم {الحق} أي الذي له واقع يطابقه وذلك هو الحكمة وهو العلم بموافقة العمل وهو معرفة المعلوم على ما هو عليه {من ربهم} أي: الذي أحسن إليهم بإيجادهم وما سببه من حسن اعتقادهم فاهتدوا {كذلك} أي: مثل هذا الضرب العظيم الشأن {يضرب الله} أي: الذي له الإحاطة بجميع صفات الكمال {للناس} أي: كل من فيه قوّة الاضطراب والحركة {أمثالهم} أي: أمثال أنفسهم، أو أمثال الفريقين المتقدّمين، أو أمثال جميع الأشياء التي يحتاجون إلى بيان أمثالها، مبيناً لها مثل هذا البيان، ليأخذ كل أحد من ذلك جزاء حاله، فقد علم من هذا المثل أنّ من اتبع الباطل أضلّ الله تعالى عمله، ووفر سيئاته، وأفسد باله ومن اتبع الحق عمل به ضد ذلك كائناً من كان. وهو غاية الحث على طلب العلم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والعمل بها.
ولما بين تعالى أنّ الذين كفروا أضلّ أعمالهم، وأن اعتبار الإنسان بالعمل، ومن لا عمل له فهو همج إعدامه خير من وجوده سبب عنه. قوله تعالى:
{فإذا لقيتم الذين كفروا} أيها المؤمنون في المحاربة، وقوله تعالى: {فضرب الرقاب} أصله: فاضربوا الرقاب ضرباً فحذف الفعل وقدم المصدر فأنيب منابه مضافاً إلى المفعول، ضماً إلى التأكيد الاختصار والحكمة في اختيار ضرب الرقبة دون غيرها من الأعضاء، لأنّ المؤمن هنا ليس بدافع إنما هو رافع، وذلك لأن من يدفع الصائل لا ينبغي أولاً أن يقصد