وأمرهم ونهاهم» .
تنبيه: اختلفوا في أن الجنّ هل لهم ثواب أو لا فقيل: لا ثواب لهم إلا النجاة من النار، ويقال لهم: كونوا تراباً، مثل البهائم واحتجوا على ذلك بقوله تعالى {ويجركم من عذاب أليم} وهو قول أبي حنيفة.
والصحيح أنّ حكمهم حكم بني آدم يستحقون الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية، وهو قول ابن أبي ليلى ومالك وتقدّم عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً نحو ذلك قال الضحّاك: يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون، لأنّ كل دليل دلّ على أنّ البشر يستحقون الثواب فهو بعينه قائم في حق الجن، والفرق بينهما بعيد جداً وذكر النقاش في تفسيره حديثاً أنهم يدخلون الجنة، فقيل: هل يصيبون من نعيمها قال يلهمهم الله تعالى تسبيحه وذكره فيصيبهم من لذته ما يصيب بني آدم من نعيم الجنة وقال أرطأة بن المنذر سألت ضمرة بن حبيب هل للجنّ ثواب؟ قال: نعم وقرأ {لم يطمثهنّ إنس قبلهم ولا جانّ} (الرحمن: 56)
وقال عمر بن عبد العزيز إن مؤمني الجنّ حول الجنة في ربض ورحاب وليسوا فيها» ولما أفهم كلامهم أنهم إن لم يجيبوا ينتقم منهم بالعذاب الأليم، أتبعوه ما هو أغلظ إنذاراً منه.
فقالوا {ومن لا يجب} أي: لا يتجدد منه أن يجيب {داعي الله} أي: الملك الذي لا كفء له {فليس بمعجز} أي: لا يعجز الله عز وجلّ بالهرب منه {في الأرض} فيفوته فإنه أيّ مكان سلك فيها فهو في ملكه وملكه وقدرته محيطة به {وليس له من دونه} أي: الله تعالى الذي لا مجير عليه {أولياء} يفعلون لأجله ما يفعل القريب مع قريبه من الذب عنه والاستشفاع له والافتداء {أولئك} البعيدون من كل خير {في ضلال مبين} ظاهر في نفسه أنه ضلال مظهر لكل أحد قبح إحاطته بهم.
تنبيه: ههنّا همزتان مضمومتان من كلمتين ولا نظير لهما في القرآن العظيم قرأ قالون والبزي بتسهيل الأولى كالواو مع المدّ والقصر وسهل الثانية ورش وقنبل بعد تحقيق الأولى ولهما أيضاً إبدال الثانية ألفاً وأسقط الأولى أبو عمرو مع المدّ والقصر والباقون بتحقيقهما وهم على مراتبهم في المدّ.
{أولم يروا} أي: يعلموا علماً هو في الوضوح كالرؤية {أن الله} ودل على ما دلّ عليه هذا الاسم الأعظم بقوله تعالى: {الذي خلق السموات} على ما احتوت عليه بما يعجز الوصف من العبر {والأرض} على ما اشتملت عليه من الآيات المدركة بالعيان والخبر {ولم يعي} أي: ولم يتعب ولم يعجز {بخلقهنّ} أي: بسبب من الأسباب. فإنه لو حصل له شيء من ذلك أدّى إلى نقصان فيهما، أو في إحداهما. وأكد الإنكار المتضمن للنفي بزيادة الجارّ في خبر إن فقال: {بقادر} أي: قدرة عظيمة {على أن يحيي} أي: على سبيل التجديد مستمرّاً {الموتى} والأمر فيهم لكونه إعادة وكونه جزءاً يسيراً مما ذكر، اختراعه أصغر شأناً وأسهل صنعاً وأجاب بقوله تعالى {بلى} لأنّ هذا الاستفهام الإنكاري في معنى النفي.
أي: قد علموا أنه قادر على ذلك علماً هو في إيقانه كالبصر لأنهم يعلمون أنه المخترع لذلك، وأن الإعادة أهون من الابتداء في مجاري عاداتهم، ولكنهم عن ذلك غافلون لأنهم عنه معرضون. وقوله تعالى: {إنه على كل شيء قدير} تقرير للقدرة على وجه عام يكون كالبرهان على المقصود. كأنه لما صدر السورة بتحقيق المبدأ أراد ختمها بإثبات المعاد. ولما أثبت البعث بما أقام من الدلائل، ذكر بعض ما يحصل في يومه من الأهوال. بقوله تعالى:
{ويوم} أي: واذكر يوم {يعرض} أي: بأيسر أمر