الدهر فإن الدهر هو الله تعالى ولا يقولن للعنب الكرم فإن الكرم هو الرجل المسلم» . ومعنى الحديث أن العرب كان من شأنها ذم الدهر وسبُّه عند النوازل لأنهم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره فيقولون: أصابتهم قوارع الدهر وأبادهم الدهر كما أخبر الله تعالى عنهم فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد سبوا فاعلها، فكان يرجع سبهم إلى الله تعالى إذ هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يضيفونها إلى الدهر فنهوا عن سبه.u
{وإذا تتلى} أي: تتابع بالقراءة من أي تال كان {عليهم آياتنا} أي: على ما لها من العظمة في نفسها وبالإضافة إلينا حال كونها {بينات} أي: في غاية المكنة في الدلالة على البعث فلا عذر لهم في ردها {ما كان} أي: بوجه من وجوه الكون {حجتهم} أي: قولهم الذي ساقوه مساق الحجة {إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا} أي: أحياء {إن كنتم صادقين} أي: في أنا نبعث فهو لا يستحق أن يسمى شبهة فسمي حجة بزعمهم أو لأن من كانت حجته هذه فليست له ألبتة حجة كقوله:
*تحية بينهم ضرب وجيع*
ثم إن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم بقوله تعالى:
{قل الله} أي: المحيط علماً وقدرة {يحييكم} أي: حين كنتم نطفاً {ثم يميتكم} أي: بأن يخرج أرواحكم من أجسادكم فتكونون كما كنتم قبل الإحياء كما تشاهدون {ثم يجمعكم} أي: بعد التمزق فيعيد فيكم أرواحكم كما كانت بعد طول مدة الرقاد منتهين {إلى يوم القيامة} أي: القيام الأعظم لكونه عاماً لجميع الخلائق {لا ريب} أي: لا شك بوجه من الوجوه {فيه} بل هو معلوم علماً قطعياً ضرورياً {ولكن أكثر الناس} أي: وهم القائلون ما ذكر {لا يعلمون} أي: لا يتجدد لهم علم لما لهم من النفوس والتردد والسفول عن أوج العقل إلى حضيض الجهل فهم واقفون مع المحسوسات لا يلوح لهم ذلك مع ما له من الظهور وقوله تعالى:
{ولله} أي: الملك الأعظم وحده {ملك السموات} أي: كلها {والأرض} أي: التي ابتدأكم منها تعميم للقدرة بعد تخصيصها {ويوم تقوم الساعة} أي: توجد وتتحقق تحقق القائم الذي هو على كمال تمكنه وتمام أمره الناهض بأعباء ما يريد ثم كرر للتأكيد والتهويل قوله تعالى {يومئذ} أي: يوم تقوم يخسرون هكذا كان الأصل ولكنه قال تعالى للتعميم والتعليق بالوصف {يخسر المبطلون} أي: الداخلون في الباطل الغريقون في الاتّصاف به الذين كانوا لا يرضون بقضائي.
تنبيه: الحياة والعقل والصحة كأنها رأس مال والتصرف فيها بطلب السعادة الأخروية يجري مَجرى تصرف التاجر في ماله لطلب الربح، والكفار قد أتعبوا أنفسهم في تصرفاتهم بالكفر والأباطيل فلم يجدوا في ذلك اليوم إلا الحرمان والخذلان ودخول النار وذلك في الحقيقة نهاية الخسران.
{وترى} أي: في ذلك اليوم {كل أمة} أي: أهل دين {جاثية} أي: مجتمعة لا يخالطها غيرها وهي مع ذلك باركة على الركب رعباً واستيفازاً لما لعلها تؤمر به جلسة المخاصم بين يدي الحاكم تنتظر القضاء الحاتم والأمر الجازم اللازم لشدة ما يظهر لها من هول ذلك اليوم {كل أمة} من الجاثين {تدعى إلى كتابها} أي: الذي أنزل عليها وتعبدها الله تعالى به والذي نسخته الحفظة عليهم السلام من أعمالها ليطبق أحدهما بالآخر فمن وافق كتابه ما أمر به من كتاب ربه نجا ومن خالفه هلك ويقال لهم حالة الدعاء {اليوم تجزون} أي: على وفق الحكمة بأيسر أمر {ما} أي: عين الذي