التجدد والاستمرار {من دابة} مما تعلمون ومما لا تعلمون بما في ذلك من مشاركتكم بالاختيار والهداية للمنافع بإدراك الجزيئات ومخالفتكم في الصورة والعقل وإدراك الكليات وغير ذلك من مخالفة الأشكال والطبائع والمنافع وغير ذلك {آيات} دالة على قدرة الله تعالى ووحدانيته.
وقرأ حمزة والكسائي آيات بكسر التاء حملاً على اسم إن، والباقون بالرفع حملاً على محل إن واسمها، ولما كانت آيات الأنفس أدق وأدل على القدرة والاختيار بما لها من التجدد والاختلاف قال تعالى {لقوم} أي: فيهم أهلية القيام بما يحاولونه {يوقنون} أي: يتجدد لهم العروج في درجات الإيمان إلى أن يصلوا إلى شرف الإيقان فلا يخالجهم شك في وحدانيته.
{واختلاف الليل والنهار} بذهاب أحدهما ووجود الآخر بعد ذهابه على التعاقب آية متكررة للدلالة على القدرة على الإيجاد بعد الإعدام بالبعث وغيره {وما أنزل الله} أي: الذي تمت عظمته فنفذت كلمته {من السماء من رزق} أي: مطر وغيره من الأسباب المهيئة لإخراج الرزق {فأحيا به} أي: بسببه {الأرض} أي: الصالحة للحياة ولذلك قال تعالى {بعد موتها} أي: يبسها وتهشيم ما كان فيها من النبات {وتصريف} أي: تحويل {الرياح} باختلاف جهاتها وأحوالها.
وقرأ حمزة والكسائي بالتوحيد، والباقون بالجمع وقوله تعالى {آيات} فيه القراءتان المتقدمتان، أما الرفع فظاهر وأما الكسر ففيه وجهان؛ أحدهما: أنها معطوفة على اسم إن والخبر قوله {وفي خلقكم} كأنه قيل: وإن في خلقكم وما يبث من دابة آيات، والثاني: أن تكون كررت تأكيداً لآيات الأولى ويكون {في خلقكم} معطوفاً على {في السموات} كرر معه حرف الجر توكيداً، ونظيره أن تقول: إن في بيتك زيداً وفي السوق زيداً فزيداً الثاني تأكيد للأول كأنك قلت: إن زيداً زيداً في بيتك وفي السوق وليس في هذه عطف على معمولي عاملين ألبتة.
ولما كانت هذه الآية أوضح دلالة من بقيتها على البعث قال تعالى فيها {لقوم يعقلون} الدليل فيؤمنون وأبدى بعض المفسرين معنى لطيفاً فقال: إن المنصفين إذا نظروا في السموات والأرض وأنه لا بد لهما من صانع آمنوا وإذا نظروا في خلق أنفسهم ونحوها ازدادوا إيماناً فأيقنوا، فإذا نظروا في سائر الحوادث عقلوا واستحكم علمهم.
ولما ذكر هذه الآيات العظيمات قال تعالى مشيراً إلى علو رتبتها بأداة البعد:
{تلك} أي: الآيات المذكورة {آيات الله} أي: حجج المحيط بصفات الكمال التي لا شيء أجل منها الدالة على وحدانيته {نتلوها} أي: نقصها {عليك} سواء أكانت مرئية أو مسموعة ملتبسة {بالحق} أي: الأمر الثابت الذي لا يستطاع تحويله ليس بسحر ولا كذب {فبأي حديث} أي: خبر عظيم صادق يتجدد علمه به يستحق أن يتحدث به واستغرق كل حديث فقال تعالى {بعد الله} أي: حديث الملك الأعظم وهو القرآن {وآياته} أي: حججه {يؤمنون} أي: كفار مكة أي: لا يؤمنون، وقرأ ابن عامر وشعبة والكسائي بتاء الخطاب رأوا أن ذلك الخطاب صرف إلى خطاب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى {نتلوها عليك بالحق} ، والباقون بياء الغيبة ردوه على قوله تعالى {وفي خلقكم} وهو أقوى تبكيتاً.
ولما بين الآيات للكفار وبين أنهم إذا لم يؤمنوا بها بعد ظهورها فبأي حديث بعدها يؤمنون؟ أتبعه