{أوتهدي العمي} الذين أعميناهم بما غشينا به أبصار بصائرهم من أغشية الخسارة روي أنه صلى الله عليه وسلم «كان يجتهد في دعاء قومه وهم لا يزيدون إلا تصميماً على الكفر وعناداً في الغي فنزلت» . أي: هم في النفرة عنك وعن دينك بحيث إذا أسمعتهم القرآن كانوا كالصم وإذا أريتهم المعجزات كانوا كالعمي وقوله تعالى {ومن كان} أي: جبلة وطبعاً {في ضلال مبين} عطف على العمي باعتبار تغاير الوصفين، وفيه إشعار بأن الموجب لذلك تمكنهم في ضلال لا يخفى بين في نفسه أنه ضلال وأنه محيط بالضال، يظهر لكل أحد ذلك فهو بحيث لا يخفى على أحد فالمعنى: ليس شيء من ذلك إليك بل هو إلى الله تعالى القادر على كل شيء وأما أنت فليس عليك إلا البلاغ فلا تتعب نفسك.

{فإما نذهبن بك} أي: من بين أظهرهم بموت أو غيره وما مزيدة مؤكدة بمنزلة لام القسم في استجلاب النون المؤكدة {فإنا منهم} أي: من الذين تقدم التعريض بأنهم صم عمي ضلال لم تنفعهم مشاعرهم {منتقمون} أي: بعد فراقك لأن وجودك بين أظهرهم هو سبب تأخير العذاب عنهم.

{أو نرينك} وأنت بينهم {الذي وعدناهم} أي: من العذاب وعبر فيه بالوعد ليدل على الخير بلفظه وعلى الشر بأسلوبه {فإنا} أي: بما لنا من العظمة التي أنت أعلم الخلق بها {عليهم} أي: على عقابهم {مقتدرون} على كلا التقديرين، وأكد بأن لأن أفعالهم أفعال من ينكر قدرته وكذا بالإتيان بنون العظمة وصيغة الافتعال.

{فاستمسك} أي: اطلب وأوجد بجد عظيم على كل حال من أحوال الإمساك {بالذي أوحى إليك} من حين نبوتك إلى الآن في الانتقام منهم وفي غيره {إنك على صراط} أي: طريق واسع واضح جداً {مستقيم} أي: موصل إلى المقصود لا يصح أصلاً أن يلحقه شيء من عوج.

{وإنه} أي: الذي أوحى إليك في الدين والدنيا {لذكر} أي: لشرف عظيم جداً وموعظة وبيان {لك ولقومك} قريش خصوصاً لنزوله بلغتهم والعرب عموماً وسائر من اتبعك ولو كان من غيرهم روى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان إذا سئل لمن هذا الأمر بعدك لم يخبر بشيء حتى نزلت هذه الآية فكان بعد ذلك إذا سئل لمن هذا الأمر بعدك قال: لقريش» . وروى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان» . وروى معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين» . وقال مجاهد: القوم هم العرب فالقرآن لهم شرف إذ نزل بلغتهم ثم يختص بذلك الشرف الأخص فالأخص من العرب حتى يكون الأكثر لقريش ولبني هاشم، وقيل: ذكر لك بما أعطاك من الحكمة ولقومك من المؤمنين بما هداهم الله تعالى به {وسوف تسألون} أي: عن القرآن يوم القيامة وعن قيامكم بحقه وكيف كنتم في العمل به والاستجابة له، وقال الكلبي: تسألون هل أديتم شكر إنعامنا عليكم بهذا الذكر الجميل، وقال مقاتل: يقال لمن كذب به لم كذبت؟ فيسأل سؤال توبيخ وقيل: يسألون هل عملتم بما دل عليه القرآن من التكاليف. وروى عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى إلى السموات العلى بعث له آدم وولده من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015